مصادر القانون
يقصد بمصادر القانون الأسباب المنشئة للقانون، إذ لا يمكن القول أن القواعد القانونية قد نشأت من العدم، فيؤكد فقهاء القانون أن للقاعدة القانونية مصدر مادي ، تستمد منه موضوعها ومادتها، ومصدر رسمي تستمد منه قوتها وإلزامها، كقاعدة منظمة لشأن من شؤون الحياة. المصدر المادي:يقصد به مجموعة العوامل التي ساهمت في تكوين القاعدة القانونية كالعوامل الطبيعية والاقتصادية والتاريخية والاجتماعية، فبالنسبة لعامل التاريخ، نجد أن القانون الجزائري مستمد من الشريعة الإسلامية، والقانون المصري، والقانون الفرنسي، وهذا الأخير مستمد في كثير من قواعده من القانون الروماني.
وبهذا يمكن القول أن المشرع الجزائري قد رجع في بعض تقنيناته إلى الكثير من أحكام القانون الفرنسي، كما اعتمد في تقنينه المدني على التقنين المدني المصري، وكذلك أحكام الشريعة الإسلامية، وهذا واضح في قواعد ونصوص قانون الأحوال الشخصية المسمى قانون الأسرة.
المصدر الرسمي أو الشكلي: ويقصد به المصدر الذي يستمد منه القانون قوته وواجب تطبيقه، وللقانون مسار تختلف باختلاف المجتمعات والعصور، ففي المجتمعات القديمة لعبت القواعد العرفية والقواعد الدينية الدور الأساسي في تنظيم الروابط والعلاقات الاجتماعية والنشاطات المالية.
أما اليوم فقد تراجع العرف وترك المجال للتشريع، حيث نجد أن أغلب النظم القانونية جعلت التشريع يحتل الصدارة في الاستعمال والتعليم، ورغم ذلك فإن العرف مازال يحتفظ بمكانته وقيمته يرجع إليه وقت الحاجة حتى وإن لم يحتل المرتبة الأولى في المصادر الرسمية.
وعلى ضوء ما تقدم فإن مصادر القانون في التشريعات الحديثة تقسم إلى:
أولا- المصادر التي يستمد منها المشرع القاعدة القانونية وتتمثل في:
المصادر المادية أو الموضوعية
المصادر التاريخية وتشمل:
أ- الشراع السماوية:، ب- القانون الطبيعي، ج- أحكام القضاء السابقة.
ثانيا- المصادر التي يستمد منها القاضي القاعدة القانونية:
وهي قسمان:
أ- المصادر الرسمية: وهي التي بينها المشرع الجزائري في نص المادة الأولى من القانون المدني حصرا كمايلي:« يسري القانون على جميع المسائل التي تتناولها نصوصه في لفظها أو في فحواها، وإذا لم يوجد نص تشريعي، حكم القاضي، بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم يوجد فبمقتضى العرف.
فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة».
وبقراءة النص السابق بتمعن نستنتج أن المصادر الرسمية للقانون الوضعي الجزائري، قد تم حصرها وترتيبها ترتيبا يلزم القاضي العمل به، وهذه المصادر هي:
- التشريع
- مبادئ الشريعة الإسلامية
- العرف
- مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة
وما يلاحظ على نص هذه المادة أن المشرع لم يذكر الفقه والقضاء باعتبارهما من المصادر التفسيرية للقانون.
ب- المصادر التفسيرية وتتمثل في:
- الفقه
- القضاء
المبحث الأول: المصادر الرسمية
بالرجوع إلى المادة الأولى من القانون المدني نجد أن المصادر الرسمية للقانون هي: التشريع، الشريعة الإسلامية، العرف، قواعد العدالة والقانون الطبيعي.
المطلب الأول: المصادر الرسمية الأصلية للقانون (التشريع)
نظرا لأهمية التشريع كمصدر رسمي للقانون سنتطرق إلى مفهوم التشريع مع بيان خصائصه ومزاياه في الفرع الأول أما الفرع الثاني فنبين فيه أنواع التشريع والجهة المختصة في اقتراحه وسنه وإصداره.
الفرع الأول: مفهوم التشريع
للتشريع معنيان: الأول عام والثاني خاص
أولا- المعنى العام: ويقصد به وضع القواعد القانونية في صيغة مكتوبة من طرف السلطة المختصة في الدولة حسب النظام الدستوري لهذه الدولة مع السهر على تطبيقها مما يعطيها قوة إلزام في العمل بها.
ثانيا- المعني الخاص: فهو حين يقصد بالتشريع، مجموعة القواعد القانونية المدونة والمنظمة لفرع من فروع القانون في مدونة واحدة متسلسلة المواد، كالدستور، والتقنين المدني والتجار، وقانون العقوبات...الخ.
ويعد التشريع المصدر الرسمي الأول والأصلي للقانون الجزائري، بحيث يجب على القاضي أن يلجأ إليه أولا كل ما عرض عليه نزاع، فإذا وجد يعالج المسألة المطروحة عليه فلا يستطيع الرجوع إلى المصادر الأخرى، وذلك حتى ولو كان النص غامضا.
إذ في هذه الحالة يجب على القاضي البحث عن المعنى المقصود وللتشريع مزايا وعيوب.
ثالثا- مزايا التشريع
1- إن التشريع يجعل القاعدة القانونية محددة وواضحة، لأن صياغة القاعدة القانونية يقوم بها أشخاص متخصصون مما يجعلها واضحة بالنسبة للكافة.
2- التشريع يحقق وحدة القانون في الدولة، لأنه يسري على جميع الأفراد ويصاغ صياغة موحدة تطبق على الجميع دون اختلاف، كونه يصدر عن سلطة مختصة حسب النظام الدستوري لكل دولة، وهذا ما نص عليه الدستور في المادة 98 بقولها:«يمارس السلطة التشريعية برلمان يتكون من غرفتين، وهما المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، وله السيادة في إعداد القانون والتصويت عليه».
3- التشريع يستجيب لضرورات المجتمع، ذلك لأنه يمكن صياغته أو تعديل القواعد القانونية أو إلغاؤها كلما تطلبت التغييرات الاجتماعية أو الاقتصادية، فهو يؤدي وظيفة اجتماعية.
رابعا- عيوب التشريع
1- يعاب على التشريع تضمنه لعبارات ومصطلحات فيها غموض، تحتاج إلى تمييز وتوضيح كعبارة حسن النية وسوء النية، وعبارة الآداب العامة والنظام العام، فهذه مفاهيم عامة تحتاج إلى ضبط وتوضيح مما يفتح المجال للفقه والقضاء في التفسير والبحث والاجتهاد، وهذا ما أضفى على العلوم القانونية طابعا خاص متميزا عن باقي العلوم.
2- عاب البعض على التشريع أنه جامد لا يتماشى وتطور المجتمع خلافا للقاعدة العرفية التي يتسبب في إنشائها ضمير الجماعة، ويرد على هذا الرأي أن السلطة المختصة بإصدار التشريع في الدولة إذا ما رأت عدم صلاحية القاعدة لظروف المجتمع وتطوره فإنها تبادر إلى تعديله وإلغائه.
الفرع الثاني: أنواع التشريع
إن القواعد القانونية ليست كلها في درجة واحدة من حيث الأهمية ويأتي في مقدمتها تشريع الأساس، ثم المعاهدات ثم التشريع العادي، وأخيرا التشريع الفرعي.
أولا- تشريع الأساس (الدستور)
يقصد بالدستور مجموعة القواعد المحددة لشكل الدولة ونظام الحكم، فيها والمبينة لحقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية التي تحتل مكان الصدارة، وجب أن لا تخالفها قاعدة قانونية أقل منها درجة. وهذا الدستور قد يصدر:
1- في شكل منحة من الحاكم، كما هو الحال في دستور فرنسا لعام 1814، ودستور مصر لعام 1923، والدستور الياباني لعام 1889. وتسمى بالطريقة الأوتوقراطية (طريقة المنحة).
2- أو في شكل عقد بين الشعب والحاكم مثل دستور الكويت لعام 1962 وتسمى بالطريقة المختلطة.
3- وقد ينتخب الشعب هيئة معينة يعود لها صلاحية إقرار وثيقة دستورية (أسلوب الجمعية التأسيسية) وأشهر الأمثلة التي استخدمت فيها هذه الطريقة هي الدستور الفيدرالي الأمريكي عام 1778 ودستور فرنسا عام 1848م وعام 1875م.
4- أو بأخذ رأي الشعب مباشرة بعد إعداد مشروعه بواسطة هيئة تحضيرية كما هو الحال بالنسبة للدستور الجزائري لعام 1989.
وبما أن سلطة الشعب شاركت بطريقة مباشرة في تزكية وإقرار الوثيقة الدستورية، فإنه من الطبيعي أن تحتل الوثيقة الدستورية المكانة السامية والمتميزة.
ولكن رغم هذا التمييز تظل العلاقة بين القاعدة الدستورية والقوانين العادية واللوائح التنظيمية وطيدة، فعند ما تعترف القاعدة الدستورية بحق التقاضي أو الحق النقابي أو الحق في الإضراب أو حق إنشاء الأحزاب فإن مجموع هذه الحقوق الفردية والجماعية تحتاج إلى نصوص تفصيلية تنظمها ولا يكون ذلك إلا بواسطة القوانين والنصوص التنظيمية.
ولتحصين القاعدة الدستورية من أي تجاوز أو مخالفة من قبل نصوص تدنوها من حيث القوة ثم اعتماد نظام الرقابة الدستورية الذي يمارسه المجلس الدستوري فقد خول له سلطة الفصل في دستورية المعاهدات والقوانين العضوية والقوانين العادية والتنظيمات وذلك إما بموجب رأي قبل أنم تصبح واجبة التنفيذ أو بقرار في الحالة العكسية.
ويتم تعديل الدستور بالطريقة التي يرسمها الدستور نفسه، وفي هذا الصدد تختلف الدساتير فمنها ما يكتفي في تعديله بإجراءات يحددها التشريع العادي، أي التشريع الصادر عن السلطة التشريعية (البرلمان)، وتسمى هذه الدساتير بالدساتير المرنة.
ومنها ما يستلزم إتباع إجراءات خاصة ترد في الدستور نفسه، بحيث لا يمكن تعديله إلا وفقها وتسمى بالدساتير الجامدة.
ثانيا- المعاهدات
ويقصد بها اتفاقيات تعقدها الدول فيما بينها بغرض تنظيم علاقة قانونية دولية وتحديد القواعد التي تخضع لها هذه العلاقة، وبما أن المعاهدة هي مجموعة قواعد أعدت بطريقة معينة لتنظيم علاقة الدولة بغيرها من الدول فهي تعد جزءا من التشريع، وهي تسمو على القانون وذلك بنص من الدستوري، ويتم إبرام المعاهدات على مراحل أساسية تبدأ بالمفاوضات والاتصالات بين الوفود الرسمية للدول ثم التوصل إلى صياغة النص النهائي للمعاهدة بعد الاتفاق على الشكل والموضوع، وتحال بعدها للتوقيع ثم المصادقة عليها من قبل السلطة التشريعية وأخير يتم تسجيلها.
ولكن المعاهدة لا تسمو على الدستور فلا تنفذ ولا تطبق معاهدة واتفاقية إذا كانت مخالفة للدستور.
ثالثا- التشريع العادي والتشريع العضوي
وهما التشريعات اللذان تتولى السلطة التشريعية إصدارهما، وقد حدد الدستور الجزائري لعام 1996 في المادة 122 منه الحالات التي يتم تنظيمها بالتشريع العادي.
كما حدد في المادة 123 المجالات التي يبين في تنظيمها التشريع العضوي، مثل تنظيم السلطات العمومية، ونظام الانتخابات والجمعيات السياسية، والتنظيم القضائي وغيرها من المجالات التي تتصل بهيكل الدولة.
1- تعريف التشريع العادي والتشريع العضوي
يقصد بالتشريع العادي هو مجموعة من القواعد القانونية التي تسنها السلطة التشريعية (وهو القانون بالمعنى الضيق) وهذا في حدود اختصاصاتها المبينة في الدستور خاصة المادة 122 من دستور 1996.
أما التشريع العضوي فقصد به قانون نظامي أساسي يصادق عليه النواب لتحديد أو تكملة أحكام الدستور. يعتبر القانون العضوي نوع جديد من القوانين يقع بين فئتي القوانين الدستورية والعادية.
2- السلطة المختصة بوضع التشريعين العادي والعضوي
أ- الأصل(القاعدة العامة):
السلطة المختصة بوضع التشريع بنوعيه السابقين هي السلطة التشريعية في حدود الصلاحيات المحددة بموجب النصوص الدستورية.
وهذه السلطة يطلق عليها في بلادنا والعديد من البلدان اسم البرلمان والذي قد يتكون من مجلس واحد أو من غرفة واحد كما كان الأمر في الجزائر في ظل دستور 1976 ودستور 1989.
وقد يتكون من غرفتين كما هو الحال في فرنسا حيث تسمى إحدى الغرفتين الجمعية الوطنية والغرفة الثانية مجلس الشيوخ، وفي الجزائر في ظل دستور 1996 الذي تقضي المادة 98 منه بأنه يتكون من غرفتين هما المجلس الشعبي الوطني، ومجلس الأمة.
ب- الاستثناء: غير أنه في حالات محددة تملك السلطة التنفيذية أن تحل محل السلطة التشريعية في سن التشريع (التشريع العادي والتشريع العضوي) وهذا بموجب إصدار أوامر وهي:
1- حالة الضرورة (تشريع الضرورة): تحل السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية محل السلطة التشريعية في سن القانون وهذا في الحالات التي تستدعيها كوجود فياضانات أو حريق أو زلزال، ولكي يباشر رئيس الجمهورية حق سن تشريع يجب توافر الشروط التالية:
أ- وجود حالة ضرورة تستدعي إصدار التشريع دون تأخير
ب- حدوث حالة الضرورة في غيبة السلطة التشريعية
ج- عدم مخالفة تشريع الضرورة للدستور
د- وعند إنتهاء حالة الضرورة يجب عرض تشريع الضرورة الذي أصدره رئيس الجمهورية على السلطة التشريعية لإقراره طبقا للمادة 124من دستور 1996 بخلاف دستور 1989.
2- الحالة الاستثنائية (الظروف الاستثنائية): طبقا للفقرة 4 من المادة 124 من الدستور 1996 فإنه: يمكن لرئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في الحالة الاستثنائية التي تخولها الحالة الاستثنائية المذكورة في المادة 93/3 والتي تفيد أنه:«يحق لرئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر لها قوة التشريع العادي، عن طريق اتخاذ الإجراءات الاستثنائية التي تخولها الحالة الاستثنائية والتي تستوجبها المحافظة على استقلال الأمة والمؤسسات الدستورية في الجمهورية».
ولرئيس الجمهورية التشريع بأوامر رغم وجود السلطة التشريعية متى توفرت الشروط التالية:
أ- وجود خطر محدق يهدد البلاد.
ب- وجوب استشارة جهات معينة والمتمثلة في (رئيس المجلس الشعبي، رئيس مجلس الأمة، المجلس الدستوري، الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن، مجلس الوزراء طبقا للفقرة 02 من المادة 93). ورأي هذه الجهات استشاري فقط.
ج- وجوب اجتماع البرلمان طبقا للمادة 93 الفقرة 4 من دستور 1996.
د- وجوب مراعاة الشروط السابقة عند انتهاء الحالة الاستثنائية والمتمثلة في: زوال الخطر، وجوب استشارة الجهات المعنية، وجوب اجتماع البرلمان.
3- حالة الاستعجال: تنص الفقرة 7 و8 من المادة 120 من دستور 1996
يصادق البرلمان على قانون المالية في مدة 75 يوما من تاريخ إيداعه وفي حالة عدم المصادقة عليه في الآجال المحدد سابقا يصدر رئيس الجمهورية مشروع الحكومة بأمر شرط تحقق الحالة الاستعجالية وذلك بعد أن تم:
أ- طرح مشروع التشريع على السلطة التشريعية للمصادقة عليه.
ب- عدم بث السلطة التشريعية في هذا المشروع في المدة المحددة لذلك.
ج- ثبوت الصفة الاستعجالية للمشروع في نظر السلطة التنفيذية.
4- تشريع التفويض
يجوز لرئيس الجمهورية أن يطلب التفويض من السلطة التشريعية بغرض إصدار نصوص ذات طابع تشرعي، وهذا التفويض قد كان منصوصا عليه في دستور 1963 وكذلك في دستور 1976 ولكن لم ينص عليه دستور 1989، وهذا يعني أنه لا يجوز لرئيس الجمهورية طلب تفويض بالتشريع، ويلاحظ أن تشريع التفويض وإذا كان معمولا به في عدة دول مثل فرنسا إلا أنه أمر غير مقبول من الناحية النظرية إذ لا يمكن للسلطة التشريعية أن تتنازل عن اختصاصها التشريعي الذي تستمده من الدستور، فذلك التفويض يمكن السلطة التنفيذية من تعديل التشريعات القائمة وهذا ما يؤدي إلى التقليل من أهمية التشريعات والنزول بها إلى مستوى اللوائح.
ولهذا تذهب الدساتير التي تقر التفويض إلى فرض شروط معينة، ولا يجوز لرئيس الجمهورية سن التشريع إلا في الحدود التي تضمنها التفويض، فلا يجوز له مجاوزتها.
وإذا أتينا لحصر حالات التشريع بأوامر رئيس الجمهورية في دستور 1996 نجدها تتمثل في مايلي:
1- بين دورتي البرلمان وهو ما نصت عليه المادة 124 من الدستور.
2- في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني (في حالة حله).
3- في حالة عدم مصادقة البرلمان على قانون المالية في المدة التي حددها الدستور وهي 75 يوما.
4- في الظروف الاستثنائية كأن تكون الدولة مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها، مما يستلزم السرعة في أخذ القرار.
وتجدر الإشارة أن الحالات السابقة التي تحل فيها السلطة التنفيذية محل السلطة التشريعية في سن التشريع (التشريع العادي والتشريع العضوي) هي حالات دون المرور بمراحل سن التشريع والتي سوف يأتي بيانها كمايلي:
رابعا- مراحل سن التشريع العادي والعضوي
إذا كان لا بد من هيئة أو سلطة لإصدار تشريع عادي أو عضوي، فإنه من الضروري معرفة المراحل التي يمر يها هذا التشريع المتمثلة في:
1- مرحلة اقتراح التشريع
الملاحظ أن هناك اختلاف في تسمية المبادرتين، حيث يطلق على مبادرة رئيس الحكومة مصطلح مشروع قانون، في حين يطلق على مبادرة النواب مصطلح اقتراح قانون.
أ- مرحلة المبادرة بالتشريع: فبرجوعنا إلى نص المادة 119 من دستور 1996 نجد أنها تنص في فقرتها الأولى والثانية على مايلي:«لكل من رئيس الحكومة والنواب حق المبادرة بالقوانين.
تكون اقتراحات القوانين قابلة للنقاش إذا قدمها عشرون 20 نائبا».
لهذا يتضح لنا أن أول مرحلة يمر بها التشريع هي مرحلة المبادرة والتي تعد حق دستوري مخول لكل من رئيس الحكومة والنواب لأخذ المبادرة بالتشريع.
ب- مرحلة الفحص
في نهاية مرحلة المبادرة يعرض المشروع أو الاقتراح على لجنة مختصة تابعة للمجلس الشعبي الوطني للقيام بفحص ما عرض عليها وتقديم تقرير تثبت فيه مدى صلاحيته للمناقشة والتصويت.
مع العلم أن المشروع الذي يقدمه رئيس الحكومة، يكون قد تم عرضه على مجلس الدولة لإبداء رأيه فيه، ثم يودع لدى مكتب المجلس الشعبي الوطني.
2- مرحلة المناقشة والتصويت
بعد مرحلة فحص المشروع أو الاقتراح وقبوله تأتي مرحلة المناقشة والتصويت عليه وذلك من قبل أعضاء البرلمان، على أن تبدأ هذه العملية من طرف نواب المجلس الشعبي الوطني، ثم نواب مجلس الأمة على التوالي:
مناقشة المشروع أو الاقتراح والتصويت يتم وفق مراحل:
المرحلة الأولى: تتم على مستوى المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى) أين يتم الحصول على الأغلبية المطلقة أي (50% +1) من عدد أعضاء المجلس، وإلا اعتبر المشروع مرفوضا.
أما المرحلة الثانية: فتتم على مستوى مجلس الأمة أين لا بد من الحصول على أغلبية ثلاثة أرباع(¾) عدد أعضاء مجلس الأمة (الغرفة الثانية) وطبقا للمادة 120 من الدستور، فإن مجلس الأمة لا يناقش إلا النص الذي صوت عليه المجلس الشعبي الوطني.
وفي المرحلة الثالثة: إذا حدث خلاف بين الغرفتين تجتمع بطلب من رئيس الحكومة، لجنة متساوية الأعضاء تتكون من أعضاء كلتا الغرفتين من أجل اقتراح نص يتعلق بالأحكام محل الخلاف.
تعرض الحكومة هذا النص على الغرفتين للمصادقة عليه، ولا يمكن إدخال أي تعديل عليه إلا بموافقة الحكومة، وفي حالة استمرار الخلاف يسحب النص حسب نص المادة 120 الفقرة الرابعة منها بقولها:«....وفي حالة حدوث خلاف بين الغرفتين تجتمع، بطلب من رئيس الحكومة، لجنة متساوية الأعضاء تتكون من أعضاء كلتا الغرفتين من أجل اقتراح نص يتعلق بالأحكام محل الخلاف.
بعد ذلك تقوم الحكومة بعرض المقترح على البرلمان للمصادقة عليه، وفي حالة استمرار الخلاف يسحب النص كاملا ».
3- إصدار القانون: بعد موافقة البرلمان على القانون يعرض على رئيس الجمهورية الذي يوقع على القانون بقصد إصداره والأمر بنشره في الجريدة الرسمية لكي يدخل حيز النفاذ وذلك خلال 30 يوما من تسلمه له، ويمكن لرئيس الجمهورية خلال نفس المدة أن يطلب من البرلمان قراءة ثانية للقانون أو أن يعرض القانون على المجلس الدستوري لأخذ رأيه قبل إصدار القانون وفي هذه الحالة لا يمكن إصدار القانون إلا بعد صدور رأي المجلس الدستوري للموافقة، وهذه طريقة من طرق رقابة دستورية القوانين.
4- نشر القانون: بعد موافقة رئيس الجمهورية على القانون المعروض عليه لإصداره يقوم بالتوقيع عليه ويأمر بنشره في الجريدة الرسمية لكي يدخل حيز النفاذ عملا بنص المادة 04 من القانون المدني: »تطبق القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداءا من يوم نشرها في الجريدة الرسمية.
تكون نافذة المفعول بالجزائر العاصمة بعد مضي يوم كامل من تاريخ نشرها، وفي النواحي الأخرى في نطاق كل دائرة بعد مضي يوم كامل من تاريخ وصول الجريدة الرسمية إلى مقر الدائرة ويشهد على ذلك التاريخ ختم الدائرة الموضوع على الجريدة».
ويقصد بالنشر في الجريدة الرسمية إعلام المخاطبين (الأفراد) بدخول القانون حيز النفاذ لكي لا يتسنى لهم الاحتجاج بجهل القانون، عملا بنص المادة 60 من دستور 1996 بقولها:«لا يعذر بجهل القانون«.
فالنشر قرينة قاطعة على علم الجميع بالقانون لكي يطبق عليهم في نفس الوقت ولتحقق صفة العمومية التي هي ضرورية وأساسية بالنسبة للقواعد القانونية، إذ لا يعذر بجهل القانون حتى لا تضييع المحاكم وقتها في البحث عن إدعاءات الجهل بالقانون من جهة ومن جهة أخرى للحفاظ على هيبة الدولة وتماسك المجتمع واستمراره.
ولا يوجد نص يقرر أي استثناء من مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون إلا أن الرأي المستقر في الفقه والقضاء عدم تطبيق هذا المبدأ في الحالات التي يثبت فيها استحالة وصول الجريدة الرسمية إلى منطقة معينة بسبب قوة قاهرة كحرب أو فيضان أو زلزال تعذر فيها وصول الجريدة الرسمية المنشور فيها القانون حتى يستطيع سكان المنطقة الاعتذار بجهل القانون وسوف يأتي بيان هذا بالتفصيل لاحقا.
رابعا- التشريع الفرعي (اللوائح)
التشريع الفرعي يقصد به تلك النصوص القانونية التي تصدرها السلطة التنفيذية في حدود اختصاصها الدستوري بمقتضى اختصاص أصيل فهي لا تحل محل السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية تتمثل في كل من رئيس الجمهورية والوزير الأول (رئيس الحكومة سابقا)، اللذين تثبت لهما سلطة تنظيمية عامة بمقتضى المادة 85 الفقرة 3 منه والمادة 125 من دستور 1996.
أما الوزراء فسلطتهم التنظيمية محصورة في مجال اختصاص كل واحد منهم، بالإضافة إلى الولاة ورؤساء البلديات والمصالح التي خول لها سلطة تنظيمية محددة بموجب تفويض تشريعي.
يطلق على هذه النصوص التشريعية اسم اللوائح أو التنظيمات، وهي متدرجة من حيث القوة القانونية، وذلك تبعا للجهة المصدرة لها أي حسب تدرج السلطات التنفيذية، فتكون المراسيم الرئاسية والتنفيذية على رأس التنظيمات وأقلها درجة القرارات الوزارية والقرارات الوزارية المشتركة ثم القرارات الصادرة عن مسؤولي الهيئات المحلية والمصالح الأخرى.
فهذه اللوائح في مجملها أقل درجة من التشريع العادي، ولا تتعارض مع الدستور وهي على ثلاثة أقسام:
1-اللوائح التنفيذية: وهي النصوص القانونية التي تتولى السلطة التنفيذية إصدارها بغرض توضيح كيفية تنفيذ وتطبيق نص قانوني صادر عن السلطة التشريعية، باعتبار أن هذه السلطة كثيرا ما تقتصر في نصوصها التشريعية على ذكر القواعد العامة تاركة تفصيلها للسلطة التنفيذية، نظرا لقدرتها ومعرفتها للإجراءات الخاصة بالتنفيذ، فمثلا وزير الصحة أقدر من غيره لوضع اللوائح التنفيذية الخاصة بقانون الصحة، والوزير المكلف بالمالية أجدر من غيره بوضع اللوائح التنفيذية الخاصة بقانون المالية، وهذا لا يعني إعطاء الحرية المطلقة في كيفية تنفيذ تلك النصوص التشريعية الصادرة عن السلطة التشريعية، بل يجب التقيد بما تهدف إليه تلك النصوص دون زيادة أو تحريف أو إلغاء.
وقد خول دستور 1996 لرئيس الحكومة صلاحية إصدار اللوائح التنفيذية بمقتضى نص المادة 125 منه.
ويلاحظ أنه عندما يتضمن القانون النص على وجوب صدور لوائح تنفيذية لتفصيل قواعد معينة، فإن التأخير في إصدار هذه اللوائح يؤدي إلى تعطيل تنفيذ القانون ذاته، إذ يستحيل تنفيذه إذا كانت القواعد غامضة تحتاج بالضرورة إلى لوائح تنفيذية تفصيلية ولا بد أن تكون اللوائح التنفيذية مطابقة للتشريع فلا يجوز لها أن تخالفه أو تعدل منه.
2- اللوائح التنظيمية: هذه اللوائح هي أيضا من اختصاص السلطة التنفيذية وذلك بمقتضى نص المادة 125 المشار إليها أعلاه والتي تقوم بإصدارها لتنظيم وتسيير المرافق العامة المختلفة في الدولة، وهذه اللوائح لا تحتاج إلى تشريع سابق وإنما هي مستقلة ومن أمثلتها المراسيم الرئاسية المتضمنة إنشاء المؤسسات وتحديد اختصاصها وإلغائها .
ومن أمثلتها أيضا لوائح البلدية: كلوائح مراقبة الأغذية والباعة المتجولين والمحال المقلقة للراحة، كما تسمى باللوائح المستقلة لكونها تصدر استقلالا عن أي تشريع عادي رئيسي بخلاف اللوائح التنفيذية التي لا بد أن يسبقها تشريع.
3- لوائح الضبط الإداري أو البوليس أو لوائح الأمن والشرطة
وهي القواعد اللازمة للمحافظة على الأمن العام والسكينة العامة والصحة العامة، وهي مقومات النظام العام ومثال ذلك: اللوائح المنظمة للمرور ومراقبة الأغذية وصيانة الأسواق.
وهذه اللوائح تختص بها أيضا السلطة التنفيذية وتتضمن عقوبات على من يخالفها، الأمر الذي أثار نقاشا فقهيا فرأي البعض أن إعطاء السلطة التنفيذية السلطة في إصدار لوائح تتضمن عقوبات على من يخالفها أمر يعرض حرية الأفراد للخطر، ولكن الرأي الغالب أن صدور هذه اللوائح من السلطة التنفيذية إذ أن لوائح الضبط تتناول مسائل دقيقة تحتاج إلى السرعة في التنظيم فلا يمكن إسنادها إلى السلطة التشريعية.
الفرع الثالث: الرقابة على صحة التشريع
رأينا بأن التشريع أنواع يندرج من حيث قوة إلزامه فيكون التشريع الأساسي "الدستور" أسمى من التشريع العادي والتشريع الفرعي أو التنظيمي، ويكون التشريع العادي أسمى من التشريع الفرعي.
وبمقتضى هذا التدرج فإن التشريع الأدنى يجب أن لا يخالف التشريع الأعلى منه درجة، وتكون هذه المخالفة نوعين من حيث الشكل ومن حيث الموضوع:
من حيث الشكل: عندما يصدر التشريع من جهة غير الجهة المخولة دستوريا لسن التشريع أو أن يصدر من الجهة المختصة دون مراعاة الإجراءات الواجبة في إصداره أو دخوله حيز النفاذ كعدم نشره مثلا.
من حيث الموضوع: ويقصد بالمخالفة من حيث الموضوع أن يصدر التشريع الأدنى متعارضا مع تشريع أسمى منه في أحكامه ومقتضياته كأن يصدر تشريع عادي يحرم المرأة من حق الانتخاب مثلا فيكون بمقتضى هذه التفرقة بين الرجل والمرأة قد خرق تشريع أعلى منه أي الدستور يقضي بمساواة المواطنين في الحقوق الوطنية دون تمييز بسبب الجنس.
وعليه فإن رقابة مدى دستورية التشريع تختلف حسب تدرج قوة التشريع.
أولا- شرعية اللوائح
فلا بد من مطابقة اللائحة للتشريع فلا يمكن أن تخالفه أو تعدل منه، فاللوائح التنظيمية التنفيذية لا بد أن تكون مطابقة للتشريع، والرقابة على شرعية اللوائح كان من اختصاص الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا، وهذا طبقا للمادة 274 من قانون الإجراءات المدنية.
أما القضاء العادي فلا يحقق له إلغاء قانون ما طعن فيه أمامه بعدم دستورية وإنما له الحق فقط في رفض تطبيقه على المنازعة التي أثير فيها عملا بمبدأ الفصل بين السلطات والذي مفاده أن السلطة المخولة بالتشريع هي المخولة لإلغائه.
ثانيا- دستورية القوانين
دخول الدستور كل من رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة حق إخطار المجلس الدستوري حول مدى دستورية القانون، كما يكون لرئيس الجمهورية حق عرض تشريع عادي على المجلس الدستوري لأخذ رأيه في مدى دستوريته قبل إصداره حسب المادة 126 من الدستور أو أخذ رأي المجلس الدستوري في قانون عادي دخل حيز النفاذ حسب المادة 165 من دستور 1996 التي تقضي بأن:«يفصل المجلس الدستوري... في دستورية... القوانين إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ، أو بقرار في الحالة المعاكسة».
يفقد القانون الذي صرح المجلس الدستوري بعدم مطابقته للدستور أثره من يوم صدور قرار المجلس.
الفرع الرابع: إلغاء التشريع
من المعلوم أن القوانين في الجزائر يبدأ سريانها من اليوم الثاني من وصولها إلى الدائرة، وختم الدائرة دليل على ذلك.
وما دامت القوانين مسايرة لتطور المجتمع فالأكيد أنها تتغير بتغير الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ونقصد بتغير القوانين إلغائها، أو إلغاء بعض قواعدها أو استبدالها بقواعد أخرى، عن طريق السلطة المخولة دستوريا.
أولا- تعرف الإلغاء والسلطة المختصة به
يقصد بإلغاء التشريع وقف العمل وتجريده من قوته الملزمة وإنهاء العمل به وعدم ترتيب آثاره ويمتنع على القاضي الحكم بمقتضاه ويحصل الإلغاء إما باستبدال قانون جديد بالقانون القديم، كما قد يكون ذلك بالاستغناء عنه نهائيا دون استبداله بقانون آخر.
ويقتصر إلغاء القانون على آثاره المستقبلية بمعنى الأثر الفوري فلا يرجع للماضي بمعنى لا نطبق مبدأ عدم رجعية القوانين.
والقاعدة أن السلطة التي تملك إلغاء القاعدة القانونية هي التي تملك إنشاءها أو سلطة أعلى منها، وقد نصت المادة 02 الفقرة الأولى من القانون المدني الجزائري على أنه:«لا يجوز إلغاء القانون إلا بقانون لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء».
ومعنى ذلك أن:
أ- النص الدستوري لا يلغي إلا بنص الدستور.
ب- القانون لا يلغى إلا بقانون آخر أو بالدستور.
ج- اللائحة (مرسوم رئاسي) لا تلغى إلا بنص لائحي أو قانون.
وعليه يمكن للدستور أن يلغي القانون أو اللائحة لأنه القانون الأعلى والأسمى ولكن لا يجوز للائحة أو القانون إلغاء نص دستوري، لأن التشريعات ليست من نوع واحد وإنما هي مندرجة بحسب قوتها.
ثانيا- صور الإلغاء
يأخذ إلغاء التشريع من حيث الطريقة التي يتم بها صورتين: الإلغاء الصريح والإلغاء الضمني وذلك على النحو الآتي:
الصورة الأولى: الإلغاء الصريح
ويقصد به صدور تشريع جديد ينص صراحة على إلغاء التشريع السابق ويأخذ أحد الشكلين وهما، الإلغاء المجرد، والإلغاء المصحوب بإصدار تشريع جديد.
1- الإلغاء المجرد: ويقصد به تدخل المشرع بإلغاء كل أو بعض من تشريع قائم دون أن يصدر تشريعا يحل محله.
ويأخذ حكم الإلغاء المجرد الحالة التي يصدر فيها التشريع لمواجهة حالة مؤقتة فينتهي بنهايتها، كالعمل بهذا القانون مدة مؤقتة (05 سنوات مثلا) حيث يعتبر القانون ملغى بعد مرور 5 سنوات.
فيجمع الفقهاء على أن إلغاء التشريع مرهون بزوال الحالة المؤقتة التي اقتضته أو وقوع الأمر المعين دون حاجة إلى صدور تشريع جديد بالإلغاء، انتهاء التشريع بزوال سبب وجوده.
2- الإلغاء المصحوب بإصدار تشريع جديد: ويكون بصدور تشريع جديد ينص صراحة على إلغاء التشريع القديم أو على عبارة "يستبدل" أو ينص على عبارة "إلغاء ما يخالفه من أحكام".
وذلك حتى يكون التشريع الجديد القوة الملزمة العليا في حكم النزاعات المتعلقة به كمثلا نص المادة 41 في القانون المدني التي يتم إلغائها بموجب القانون المدني الجديد رقم 05/10 المؤرخ في 20/06/2005 وأصبحت المادة 125 مكرر.
الصورة الثانية: الإلغاء الضمني
يقصد به صدور تشريع جديد يتعارض تماما مع تشريع قديم بالرغم أنهما ينظمان المسائل ذاتها فيستحيل التوفيق بينهما بغير إلغاء أحدهما، وقد نصت المادة 02 في فقرتها الثانية من القانون المدني الجزائري:«الإلغاء قد يكون ضمنيا إذا تضمن القانون الجديد نصا يتعارض مع نص القانون القديم أو نظم من جديد موضوعا سبق أن قرر قواعده ذلك القانون القديم»، ويلاحظ من نص المادة تضمنها لحالتين:
الحالة الأولى التعارض بين نص قانوني جديد ونص قديم: في هذه الحالة ينظم المشرع إحدى المسائل التي ينظمها تشريع قائم، فيكون التعارض بين النصوص التشريعية القديمة والنصوص التشريعية الجديدة تعارضا جزئيا، وفي هذه الحالة تثار أربعة فروض:
الفرضية الأولى: النص التشريعي الجديد عام والنص التشريعي القديم عام
ففي هذه الحالة لا تثور صعوبة، لأن التعارض كليا بين النصين، فمباشرة نطبق القاعدة القانونية الجديدة تلغي القاعدة القانونية القديمة.
مثلا: إذا كان القانون القديم يبيح عملا ما، والقانون الجديد يحرمه وبالتالي فإن كل مرتكب لذلك العمل يصبح مجرما.
الفرضية الثانية: النص التشريعي الجديد عام والنص التشريعي القديم خاص
في هذه الحالة لا تلغى القاعدة القانونية القديمة تطبيقا لقاعدة العام لا يقيد الخاص، فالقاعدة القانونية القديمة لا تلغى إلا بقاعدة قانونية خاصة، لأن الحكم الخاص لا يلغي ضمنيا إلا بحكم خاص مثله: إذا أن أصل القاعدة "الخاص يقيد العام" ومفاد ذلك أن يظل نص التشريعي السابق (القديم) الخاص قائما ونافذا باعتباره استثناء من الحكم العام الذي ورد في النص التشريعي الجديد العام.
الفرضية الثالثة: النص التشريعي الجديد خاص والنص التشريعي القديم خاص
تطبق قاعدة الخاص تلغي الخاص، بمعنى أن القاعدة القانونية الجديدة تلغي وتحل محل القاعدة القانونية القديمة، وذلك لعدم إمكانية الجمع في التطبيق بين حكمين متعارضين.
الفرضية الرابعة: النص التشريعي الجديد خاص والنص التشريعي القديم عام
تطبق قاعدة الخاص يقيد العام، بقدر ما يوجد بينهما من تعارض، وبيان ذلك أن المشرع إذا أصدر قاعدة قانونية جديدة خاصة تتعارض مع قاعدة قانونية قديمة عامة، كان مقصوده من ذلك أن ينفذ كل من النصين في نطاقه، فالنص الخاص يقيد مجال تطبيق النص العام.
الحالة الثانية الإلغاء عن طريق إعادة التنظيم: صدور تشريع ينظم من جديد نفس الموضوع الذي كان ينظمه التشريع القديم، فيعتبر التشريع اللاحق ملغيا للتشريع السابق، مثال ذلك القانون رقم 91/10 المؤرخ في 27/04/1991 المتعلق بالأوقاف الذي أعاد تنظيم جميع المسائل الخاصة بالوقف فقد ألغى ضمنيا ما ورد في قانون الأسرة من المواد 213 إلى 220 الخاصة بالوقف.
ثالثا- هل يجوز إلغاء التشريع بعدم استعماله لمدة طويلة؟
إذا ظل التشريع حبرا على ورق ولم يستعمل مدة طويلة ولم يصدر المشرع نص يلغيه أو يعدل منه، فإن استعماله لمدة طويلة ينشئ نوعا من الاعتقاد بعدم صلاحيته للاستعمال، فهل يمكن إلغاء التشريع بهذه الصورة؟
هناك من يرى أن عدم استعمال التشريع لمدة طويلة ينشئ عرفا بعدم الاستعمال فيلغي العرف التشريع، ويمكن الرد على ذلك: أن التشريع لا يلغي أبدا بعدم استعماله، فمهما طالت فترة عدم الاستعمال يبقى التشريع صالحا للاستعمال والتطبيق طالما لم ينص المشرع صراحة على إلغائه وقد نصت على ذلك المادة 02 من القانون المدني بقولها:«أن القاعدة التشريعية لا تلغيها إلا قاعدة تشريعية أخرى» فلا يجوز للعرف إلغاء التشريع لأنه لا يليه أي الدرجة الثالثة ضمن مصادر القانون الجزائري.
المطلب الثاني: المصادر الرسمية الاحتياطية
يعتبر التشريع المصدر الرسمي الأصلي الذي ترجع إليه المحاكم في النظم الوضعية إلا أنه بجانب ذلك فقد قدرت معظم الدول والجزائر من ضمنها أن التشريعات قد تعجز عن مواجهة كل ما يستجد من أمور قد يستحدثها التطور المستمر بصفة عامة، فنصت من ثم على مصادر أخرى أوجبت على المحاكم الرجوع إليها في هذه الحالة كمصادر احتياطية وهي تنحصر في الشريعة الإسلامية، العرف، قواعد القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
الفرع الأول: الشريعة الإسلامية
أولا: تعريفها
الشريعة الإسلامية هي القواعد الدينية بوجه عام أي القواعد الإلاهية التي أبلغت للناس عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، وتلك القواعد السماوية إما أنها تنظم علاقة الفرد بربه أو علاقته بغيره من الناس، لهذا يقال بأن القواعد الدينية أوسع من القواعد القانونية لأنها تنظم علاقة الإنسان مع غيره بخلاف الشريعة الإسلامية التي تنظم كما رأينا علاقة الفرد بربه أو مع غيره من الأفراد داخل المجتمع.
ثانيا- مصادر الأحكام الشرعية المتفق عليها
لقد اتفق جمهور المسلمين على أربعة مصادر للأحكام الشرعية وهي: القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، الإجماع، والقياس، والدليل على ذلك حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه:﴿ الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا بالإسلام إلى اليمين، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: كيف تقضي يامعاذ إذا عرض لك القضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله، قال، فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال أجتهد برأيي ولا آلو، أي لا أقصر في الاجتهاد، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدره، وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم﴾.
1- القرآن الكريم: وهو كتاب الله، أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم منحها على مدى ثلاث وعشرين سنة، فبعض الآيات صرحت بالأحكام مباشرة وحددتها تحديدا قاطعا، كآيات العبادات والمواريث وآيات تحريم الزنى والقذف والقتل بغير حق وبعض الآيات لم يعين المراد منها على وجه التحديد فكانت محل الاجتهاد، إذ لم يفصل فيها وجاءت بصيغة الإرشاد والتوجيه كالآيات المتعلقة بالمعاملات المالية.
2- السنة الشريفة: وهي ما صدر من قول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتسمى سنة قولية وقد تكون فعلية وهي ما تستخلص من أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم وقد تكون السنة تقريريه وهي أن يسكت الرسول صلى الله عليه وسلم عن عمل أو قول وهو حاضر أو غائب بعد علمه به.
3- الإجماع: إن الحاجة الماسة إلى الحكم في القضايا الجديدة في عصر الصاحبة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أدت إلى نشأة فكرة الإجماع عن طريق الاجتهاد الجماعي.
والإجماع عند جمهور الفقهاء هو اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في عصر من العصور على حكم شرعي.
4- القياس: هو إلحاق أمر غير منصوص على حكمه الشرعي بأمر منصوص على حكمه بالنص عليه في الكتاب والسنة لاشتراكهما في علة الحكم.
ثالثا- مكانة مبادئ الشريعة الإسلامية من مصادر القانون الجزائري
إن الشريعة الإسلامية تعد مصدرا رسميا للقانون الجزائري طبقا للمادة الأولى من القانون المدني الجزائري، فعلى القاضي إذا لم يجد حكما في التشريع الرجوع إلى مبادئ الشريعة الإسلامية ويستخلصها من الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
وتعد الشريعة الإسلامية أيضا مصدرا ماديا للقانون الجزائري، والمقصود بذلك أن المصدر المادي أو جوهر بعض نصوص القانون استمدها المشرع من مبادئ الشريعة الإسلامية، فيعد قانون الأسرة مستمد من الشريعة الإسلامية، إذ طبق المشرع الجزائري أحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالزواج والطلاق والولاية والميراث والوصية والوقف.
وتعد الشريعة الإسلامية أيضا مصدرا ماديا لبعض نصوص القانون المدني حوالة الحق دون حوالة الدين، وكذلك استمد القانون المدني الأحكام الخاصة بتصرفات المريض مرض الموت.
الفرع الثاني: العرف
هو مصدر قانوني وهو عبارة عن قواعد تفرضها السلطة التشريعية إلا أنها ناتجة عن ممارسة عامة وطويلة في المجتمع، وللعرف مركزه وقوته في بعض المجالات مثل: مجال التجارة حيث تسود أعراف متعددة تحكم التعامل التجاري بنوع خاص وفي القانون الدولي العام يعتبر العرف المصدر الأول كما يعتبر أحد مصادر القانون الدولي الخاص.
أولا- تعريف العرف وأركانه
1- تعريفه: هو ما تعود عليه الناس واستقر في أذهانهم من أحكام نشأت عن تعاملهم المتكرر بسلوك معين ومتواتر وفي مجال معين، حتى ترتب في أذهانهم شعور بإلزاميتها.
والعرف هو أقدم المصادر القانونية التي عرفتها البشرية، فيعود إليه الفضل في تنظيم الكثير من العلاقات سواء الاجتماعية أو المالية، ونظر لأهميته فإنه ورغم تطور المعاملات في شتى المجالات بتطور الصناعة والزراعة وسبل المعيشة وظهور قوانين وتشريعات تحكمها إلا أن هناك من البلدان ما زال محافظا على العرف وإعطائه المكانة الأولى في أحكامها كالبلدان الأنجلوسكسونية.
2- أركان العرف: يقوم العرف على ركنين أساسيين هما:
أ- الركن المادي: وهو الاعتياد على سلوك معين مع تكرار القيام بهذا السلوك في مجال من مجالات الحياة الاجتماعية، بحيث تنشأ عادة يرسخ وينتشر العمل بها وفق مقتضياتها بين أفراد المجتمع، مما يوحي بأنها المسلك المألوف في التعامل، حتى تتكرس العادة في نفوس الناس نتيجة لتكرار العمل بها فتصبح ثابتة ومستقرة في ضمير الفردي والجماعي للمجتمع.
ويشترط في العادة التي يقوم عليها الركن المادي للعرف مايلي:
1- أن تكون العادة قديمة: ويقصد بالقدم مرور فترة زمنية معينة على نشوئها تدل على رسوخها في نفوس الناس واستمرار العمل وفقها، ولا يشترط مدة محددة لتكوين العرف وإنما هذه الفترة تختلف حسب الظروف ومدى تكرار العمل بهذه العادة إذ يختلف ضابط القدم وفقا لاختلاف المعاملات.
2- أن تكون عامة: فيجب أن تكون العادة متبعة من مجموع الناس، ولا يقصد بالإجماع أن تتبع العادة من كل الأشخاص المتواجدين في مكان معين، ولكن فقط أن لا تكون متبعة من شخص معين بذاته.
فالعرف قد يخص منطقة معينة فيكون عرفا محليا، كما قد يخص طائفة معينة بصفاتها لا بذواتها كالتجار أو أصحاب حرفة معينة مثلا.
3- أن تكون العادة ثابتة: ويقصد بذلك إطراد (تواصل) سلوك الناس على العمل بها بطريقة منتظمة بحيث يستقر العمل بها، وأن قدم العادة وثباتها أمران يساهمان في ترسيخ العرف واستقرار أحكامه.
4- أن تكون العادة غير مخالفة للنظام العام والآداب العامة السائدة في المجتمع
لأن العرف الذي ينطوي على مخالفة النظام والآداب العامة لا يشكل قاعدة قانونية لأن غرض القانون هو حماية النظام والآداب العامة، مثلا: الاعتياد على الثأر والربا لا يعتبر عرفا لأنها مخالفة للنظام العام والآداب العام بالرغم من توافر الشروط الأخرى.
ب- الركن المعنوي: لكي يتكون العرف لا بد من شعور الناس بضرورة احترام مقتضياته كاحترامهم للقواعد التشريعية، وقبل أن يرسخ في أذهان الناس هذا الاعتقاد بإلزامية قاعدة معينة فإنها تبقى عادة ولا ترقى لمرتبة العرف، فالركن المعنوي هو الذي يميز العادة عن العرف.
ثانيا- التفرقة بين العادة والعرف والآثار المترتبة عليها
1- التفرقة: يتفق العرف مع العادة الاتفاقية في كونها مع نتاج المعاملات، ومصدرها غير معلوم يقينا، فكلاهما درج عليه العمل بإطراد، وهذا من حيث أوجه الاتفاق أما من حيث أوجه اختلافهما: ففي حين يعد العرف قانونا يطبقه القاضي من تلقاء نفسه لإفتراض علمه به، نجد أن العادة الاتفاقية هي مجرد اعتياد يفتقر إلى الإلزام بغير سند اتفاقي، فمصدر التزام الأطراف بالعرف هو توافره على ركنين مادي (وهو الاعتياد) ومعنوي) وهو الشعور بالإلزام)، أما العادة الاتفاقية فهي عرف مجرد من الركن المعنوي.
2- الآثار المترتبة عن التفرقة بين العرف والعادة
أ- بما أن العرف ينشأ القاعدة القانونية فإنه يفترض العلم به من طرف الأشخاص معرفتهم بالتشريع، بينما العادة لا يفترض العلم بها باعتبارها واقعة مادية، فعلى من يتمسك بوجود عادة ما إثباتها.
ب- إن تطبيق العادة مرهون بإرادة الأطراف أن شاءوا اتفقوا عليها وإن شاءوا نبذوها على خلاف العرف الذي يطبق بوصفه قاعدة قانونية مفروضة على الإرادات الفردية.
ج- إن القاضي ملزم بتطبيق العرف من تلقاء نفسه في حالة عدم وجود نص تشريعي، ولو لم يطلب إليه الأفراد ذلك، أما العادة الاتفاقية فلا يلتزم القاضي بها إلا إذا اتفق الأطراف صراحة أو ضمنيا على إعمالها وتمسكوا بذلك.
د- إن تطبيق القاضي للعرف يخضع لرقابة المحكمة العليا باعتباره مسألة قانونية خاضعة لرقابة المحكمة العليا، بينما تطبيق العادة لا يخضع لرقابة المحكمة العليا لاعتبارها مسألة واقع نخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع.
ثالثا- أنواع العرف
نجد أن الفقهاء يميزون بين ثلاثة أنواع من الأعراف
1- العرف المكمل للتشريع
لقد نص عليه المشرع صراحة في المادة الأولى من القانون المدني الجزائري، لهذا العرف قوة ذاتية متمثلة في حالة وجود قصور في التشريع من نقص أو إبهام مقصود أو غير مقصود من المشرع وذلك بوضعه مصدرا تكميليا مرنا يسد جانبا من نقص التشريع وذلك لأنه يساير التطور الدائم في نطاق الروابط الاجتماعية والملاحظ أن الأعراف المكملة توجد في مختلف فروع القانون باستثناء القانون الجنائي فلا يعد العرف مصدرا لقواعده إذ تنص المادة الأولى من قانون العقوبات على أنه:« لا جريمة ولا عقوبة ولا تدبير احترازي إلا بنص في القانون»
ومن تطبيقات هذا العرف في التشريع مايلي: احتفاظ المرأة بلقبها العائلي بعد الزواج إلى جانب لقب زوجها.
ويعد القانون التجاري الميدان الخصب للقواعد العرفية نظرا لتنوعها وتطورها المستمرة ومن ذلك ما جرى عليه العرف التجاري في تضامن المدنيين لدين واحد، فيستطيع الدائن الرجوع على أي منهم ومطالبته بالوفاء بالدين.
ويلاحظ أن بعض النصوص القانونية تحيل إلى القانون الدستوري فيعتبر من الأعراف الدستورية إعطاء تفويض للسلطة التنفيذية لسن تشريعات معينة إذا تطلبت السرعة والسرية في ذلك.
أما القانون الدولي الخاص فيلاحظ أن معظم قواعده نشأت عرفية كقاعدة إخضاع شكل العقد إلى قانون البلد الذي أبرم فيه وقاعدة خضوع الميراث في المنقول لقانون موطن المتوفي.
2- العرف المساعد للتشريع
ويقصد به العرف الذي يلجأ إليه القاضي بناء على دعوة صريحة من المشرع لضبط صياغة نص قانوني معين لضمان سلامة تطبيقه، فنجد أن المشرع نفسه يتعمد ترك مسألة معينة للعرف المساعد وليس قصورا أو إهمالا كما حدث في العرف المكمل وذلك على النحو التالي:
أ- العرف المساعد في الحل التشريعي
وهو ما يعرف بالعرف البديل عن التشريع ويقوم عنه ما يحيل النص القانوني إلى العرف فيعطيه أولوية في التطبيق مثلا: نفقات التسليم تكون على البائع ما لم ينص الاتفاق أو العرف بغير ذلك أو مثلا طبقا للمادة 34 من القانون التجاري الجزائري بقولها:« لا يجوز فسخ الوكالة بالعمولة غير المحددة بمدة إلا بعد إعذار مسبق ومطلق للأعراف الجاري العمل بها».
ب- العرف المساعد في تفسير اللفظ: وهو العرف الذي يحيل إليه المشرع لتفسير إرادة المتعاقدين.
ومثال ذلك المادة 111 الفقرة 02 من القانون المدني الجزائري:«أما إذا كان هناك مجل لتأويل العقد، فيجب البحث عن نية المتعاقدين دون الوقوف على المعني الحرفي للألفاظ...وفقا للعرف الجاري في المعاملات».
3- العرف المخالف للتشريع: ويقصد بذلك العرف الذي يتعارض مع نص تشريعي، وهذا العرف لا غيا تطبيقا لقاعدة تدرج التشريعات التي تعود إلى إعمال قاعدة اللاحق يلغي السابق ما دامت أقوى منها في الدرجة.
والملاحظ أنه لا بد من التفرقة بين حالتين:
أ- عدم وجود مخالفة العرف للقواعد الآمرة: الأصل هو أن العرف لا يمكنه مخالفة قاعدة آمرة من نصوص التشريع، إلا أنه استثناءا يرى بعض الفقهاء إلى جواز إلغاء العرف التجاري لقاعدة آمرة من القانون المدني باعتبار أن العرف التجاري القاضي بافتراض التضامن بين المدنيين يلغي قاعدة آمرة من القانون المدني التي تقضي بأنه لا تضامن بين المدنيين إلا باتفاق صريح أو نص في القانون.
ب- جواز مخالفة العرف للقاعدة التشريعية المكملة: عندما يتعارض العرف مع نصوص التشريع المكملة لإرادة الأطراف المتعاقدة فإن المشرع جعل للعرف القدرة على مخالفة القواعد المكملة إذ يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يجب أن يفهم من أعمال العرف بالنسبة للقواعد المكملة دون إشارة المشرع إلى ذلك، يعني إلغاء العرف للتشريع ولكن تطبيق العرف في هذا المجال ما هو إلا تطبيق لإرادة المتعاقدين الفعلية المستخلصة ضمنيا وفقا لطبيعة المعاملات.
الفرع الثالث: مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة
نستنتج من نص المادة الأولى من القانون المدني الجزائري أن أعمال القاضي لمبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة مرهون بعدم وجود نص في القانون أو مبادئ الشريعة الإسلامية أو العرف.
ومفاد وضع هذين المصدرين في ذيل قائمة المصادر الرسمية هو منع القاضي من اللجوء إليها إلا بعد استنفاذ المصادر التي تسبقها فإذا وجد نصا قانونيا، أو مبدأ من مبادئ الشريعة الإسلامية أو عرفا امتنع عليه اللجوء إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
وعليه فالمشرع بمقتضى المادة الأولى من القانون المدني أحال القاضي على مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة لاستكمالها واستنباط قاعدة يطبقها على النراع نظرا لأن القاضي ملزم بإصدار حكما في كل نزاع يعرض عليه.
فالقانون الطبيعي هو مجموعة المبادئ العليا التي يسلم العقل الإنساني السليم بضرورتها لتنظيم العلاقات بين الأفراد في أي مجتمع إنساني.
ويعرفه البعض بأنه:«مجموعة القواعد التي تحقق العدالة في أسمى صورها».
- أما العدالة تعني ضرورة التسوية في الحكم على الحالات المتساوية والعدالة تقضي الأخذ بأقرب الحلول لموضوع واحد وعند الحكم على حالة معين يجب أن تراعي جميع الظروف الشخصية التي أدت إلى وجود هذه الحالة.
فالعدالة بهذا المفهوم هي المساواة في الحكم على العلاقات فيما بين الأفراد كلما كانت ظروفهم واحدة مع الاعتداد دائما بالجانب الإنساني، وكذلك بالظروف الشخصية التي تحيط بالفرد في كل حالة.
من هذين التعريفين نتبين أن مفهوم القانون الطبيعي ومفهوم العدالة واحد ولا فرق بينهما ولذلك فإن قواعد القانون الطبيعي وقواعد العدالة هما شيء واحد ولهذا يستعمل التعبيرات كمترادفين لا فرق بينهما.
وبعبارة أخرى فالقانون الطبيعي متصل بالكائن البشري إذ يأخذ بعين الاعتبار طبيعة الإنسان وغايته في العالم وأمثلة عنه: العدالة، النزاهة، احترام الوعد، الحاجة إلى الأمن والاستقرار، حماية الضعيف، محبة الغير، التصديق على المحتاج.
وخلاصة القول أن قواعد القانون الطبيعي والعدالة لا يلجأ القاضي إليها إلا إذا استعصى عليه تطبيق نص تشريعي، ولم يجد حكما لموضوع النزاع في المصادر الأخرى.
الفرع الرابع: آراء الفقهاء وأحكام الفقهاء
تطبيقا لنص المادة الأولى من القانون المدني تعتبر مصادر القانون هي التشريع ومبادئ الشريعة الإسلامية والعرف ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة ومعنى ذلك أن آراء الفقهاء وأحكام القضاء ليست مصادر للقانون، ولكن ذلك لا يمنع من اعتبارهما مصدرين تفسيريين للقانون.
أما الفقه هو ما يصدر عن الفقهاء من آراء باعتبارهم علماء في مادة القانون يستعرضون نصوص بالشرح والتفسير في مؤلفاتهم أو بإبداء الفتاوى المتعلقة بتفسير المبادئ والقواعد القانونية من الناحية النظرية.
أما المقصود بأحكام القضاء فهو ما يصدر عن المحاكم على اختلاف درجاتهم من أحكام في الدعاوى التي تعرض عليها، وأحكام القضاء ليست إلا تفسيرا للقانون من الناحية العملية أي التطبيقية، ويأخذ القضاء بالتفسير النظري لكي يطبقه عمليا.
فأحكام المحكمة العليا للقضاء هي ملزمة للمجالس القضائية والمحاكم، كما أن أحكام المجالس القضائية ملزمة للمحاكم، حيث تعتبر تفسيرا للقانون وعرفا قضائيا.
تعليقات
إرسال تعليق