المحاضرة الأولى : مفهوم القانون
المبحث الأول : التعريف بالقانون
المطلب الأول : تعريف القانون
الفرع الأول : معاني القانون
القانون لغة يفيد النظام والإستقرار، وهو لفظ دخيل على اللغة العربية، يرجع أصله إلى الكلمة اليونانية KANUN، و التي تعني العصا المستقيمة، اي أنه في المجال القانوني يتم إستخدام هذه الكلمة لقياس مدى إحترام الأفراد لما تملي به القاعدة القانونية، فإذا ساروا وفقا لمقتضياتها كان سلوكهم مستقيما كالعصا، وإن تمردوا عنها كان سلوكهم منحرفا غير مستقيم.
تتضمن كلمة قانون في مجال العلوم القانونية معنيين أساسيان يتمثلان في المعنى العام والمعنى الخاص :
أولا : المعنى العام للفظ القانون
يقصد بالمعنى العام لكلمة قانون، مجموعة القواعد القانونية التي تحكم سلوك الأفراد في المجتمع وتنظم علاقاتهم في المجتمع على نحو ملزم، تسهر الدولة على فرضها، سواءا كانت هذه القواعد مكتوبة أم غير مكتوبة، وذلك دون إعتبار لمصدر هذه القواعد.
يتم التعبير عن القانون بمعناه العام بعبارة "القانون الوضعي"، التي تقابلها في اللغة الفرنسية عبارة Droit Positif ، أي مجموع القواعد القانونية السارية المفعول في بلد معين وفي زمن محدد، فالقانون الوضعي الجزائري يتمثل في مجموعة القواعد القانونية السرية المفعول حاليا في الجزائر.
ثانيا :المعنى الخاص للفظ القانون
يتعين التمييز بين حالتين عند التطرق إلى المعنى الخاص للقانون :
-الحالة الأولى : تستعمل كلمة "قانون" في معنى التشريع، و معنى ذلك يتمثل في مجموعة القواعد القانونية المكتوبة التي تضعها السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة في مجال معين من مجالات الحياة الإجتماعية، وعلى سبيل المثال قانون المحاماة، قانون التوثيق...إلخ.
-الحالة الثانية : تستعمل كلمة القانون في معنى التقنين Code، أي على فرع من فروع القانون، ويقصد به مجموعة النصوص القانونية التي تنظم فرعا من فروع القانون، فيقال مثلا التقنين المدني Code Civile، التقنين التجاري Code Commercial...إلخ.
الفرع الثاني: تعريف الفقه للقانون
إعتمد فقهاء القانون على ثلاثة معايير أساسية لتعريف القانون تتمثل في معيار الغاية، معيار الجزاء، وأخيرا معيار خصائص القاعدة القانونية.
أولا: الغاية كأساس لتعريف القانون
عرف هذا الإتجاه القانون أنه " مجموعة القواعد الملزمة التي تنظم علاقات الأشخاص في المجتمع تنظيما عادلا يكفل حريات الأفراد ويحقق الخير العام".
يعاب على هذا التعريف ما يلى :
-أن فكرة الخير العام ليست ثابتة ومحددة، بل نسبية ومتغيرة.
-أن غاية القانون هي فكرة قابلة للنقاش، ومحاولة حصرها في تعريف القانون من شأنها أن تؤدي إلى جدل وتناقض.
ثانيا: الجزاء كأساس لتعريف القانون
وضع فريق اخر من الفقهاء تعريفا للقانون على أساس الجزاء، فإعتبروا أن " القانون هو مجموعة القواعد العامة الجبرية التي تصدر عن إرادة الدولة وتنظم سلوك الأشخاص الخاضعين لهذه الدولة أو الداخلين في تكوينها".
يشوب هذا التعريف نقائص جعلت غالبية الفقه يستبعده، وذلك للأسباب التالية :
-لا تصدر كل القواعد القانونية عن إرادة الدولة كالدين.
-القاعدة القانونية موجودة قبل تدخل الجزاء، فهذا الأخير لا يتدخل إلا في حالة مخالفة الأفراد للقاعدة القانونية.
ثالثا : خصائص القاعدة القانونية كأساس لتعريف القانون
عرف هذا الإتجاه القانون على أساس الأخذ بالخصائص التي تميز قواعده عن غيرها من قواعد السلوك الإجتماعي الاخرى، ويتمثل هذا تعريف القانون حسب هذا الإتجاه في " مجموعة القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك الأفراد وعلاقاتهم في المجتمع والتي تكون مصحوبة بجزاء توقعه السلطة العامة عند الإقتضاء".
يعتبر هذا التعريف هو الغالب والمقبول لدى غالبية الفقهاء وهو الأكثر صوابا لإشتماله لجميع مكونات القاعدة القانونية.
المطلب الثاني: خصائص القاعدة القانونية
الفرع الأول: القاعدة القانونية تنظم العلاقات الإجتماعية
أولا: القانون وليد البيئة الإجتماعية
يوجد القانون حيث يوجد المجتمع، والهدف من القانون هو تنظيم الحياة الإجتماعية التي تتسم بالروابط المتعددة بين أفرادها، سواء في المجال الإقتصادي، الإجتماعي أو السياسي، وهذا التعدد والتشعب في العلاقات من شأنه أن يولد العديد من المنازعات والخصومات بالنظر إلى تداخل مصالح أفراد المجتمع، مما تجعل من وجود قواعد ملزمة حتمية لابد منها للتوفيق بين تلك المصالح المتضاربة والمتعارضة.
تتضح العلاقة الوثيقة بين القاعدة القانونية والمجتمع، فهي ملازمة له في نشأته وبقائه، فلا مجتمع من غير قاعدة قانونية تحكم سلوك الأفراد، ولا قاعدة قانونية من دون مجتمع لأنها لا تخاطب إلا مجموعة من الأفراد مجتمعين مع بعضهم.
ثانيا: القانون ينظم السلوكات الإجتماعية
تتمثل الوظيفة الأساسية للقانون في تقويم وضبط سلوك الأشخاص المنتمين إلى المجتمع، ذلك أن القانون يضع قواعد السلوك الواجب إحترامها والإنصياغ إليها، ولا يتجه إلى الأشخاص على سبيل النصح أو الترغيب، بل يفرض تلك القواعد فرضا إلزاميا وإجباريا، إما بصورة الأمر أو النهي، ومن أمثلة صيغ الأمر المادة 143/1 من التقنين المدني الجزائري التي تنص : "كل من تسلم على سبيل الوفاء ما ليس مستحقا له وجب رده"، أما عن صيغ النهي يمكن التطرق إلى المادة 263 من تقنين العقوبات التي تنص : " يعاقب على القتل بالإعدام إذا سبق أو صاحب أو تلى جناية أخرى..."
الفرع الثاني : القاعدة القانونية عامة ومجردة
أولا : المقصود بعمومية وتجريد القاعدة القانونية
يقصد بعمومية القاعدة القانونية وتجريدها أنها لا تتعلق بواقعة معينة ولا تخاطب شخصا معينا بذاته، بل تبين الشروط التي يتعين أن تتوفر في الواقعة حتي تنطبق عليها، وكذلك يتبين الأوصاف التي يجب ان يتمتع بها الشخص من أجل أن يكون معنيا ومخاطبا بهذه القاعدة القانونية، أي أن القاعدة القانونية تخاطب الأشخاص بصفاتهم لا بذواتهم وتتطرق للوقائع بشروطها لا بذواتها، مثال على ذلك المادة 124 من التقنين المدني التي تنص :" أن كل فعل أيا كان، يرتكبه الشخص بخطئه ويسبب ضرر للغير، يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض"، فهذه المادة تطرقت إلى الفعل الضار وهو(الخطأ)، المتسبب في الخطأ، والمضرور بصفة عامة ومجردة دون تشخيص أي عنصر من العناصر المكونة لها بالذات، بل تطرقت إليهم بالصفات والشروط.
ثانيا: المغزى من عموم وتجريد القاعدة القانونية
تتمثل الغاية من جعل القاعدة القانونية عامة ومجردة فيما يلى :
-يسمح تجريد القاعدة القانونية وعموميتها من تنظيم سلوك الأشخاص على أساس المساواة فيما بينهم، حيث يتم تطبيق نفس الأحكام القانونية على جميع الحالات المماثلة دون الإعتياد بالظروف الشخصية.
-يسمح تجريد القاعدة القانونية وعموميتها ضمان حريات المواطنين وصيانتها من إستبداد الحكام، الذين يلتزمون بإحترام مقتضيات القواعد القانونية والكف عن الممارسات التعسفية.
-يعتبر الطابع العام والمجرد للقاعدة القانونية وسيلة عملية لتجسيد سيادة القانون وبناء دولة المؤسسات لا الأشخاص، حيث أن بفضل هذه الخاصية فإنه يمكن فرض إحترام القانون على جميع المستويات مهما كان علوها، وفي جميع الميادين مهما كانت أهميتها، وذلك بالنظر إلى إستحالة وضع قواعد وأحكام تحكم سلوك كل فرد من أفراد المجتمع على حدة.
الفرع الثاني : القاعدة القانونية قاعدة ملزمة.
يستلزم دراسة الطابع الإلزامي للقاعدة القانونية توضيح التعريف الخاص بالجزاء، بعد ذلك التطرق إلى الخصائص التي يتميز بها، وأخيرا الأنواع المختلفة التي يرد فيها الجزاء.
أولا : تعريف الجزاء
يمكن تعريف الجزاء بأنه القصاص من المخالف لحكم القانون كي يكون عبرة لمن تسول له نفسه سلوك مسلكه.
يتمثل الغرض من تسليط الجزاء في السماح بالتطبيق الفعلى للقاعدة القانونية جبرا أي بإستعمال القوة، بالإضافة إلى ذلك يعتبر وسيلة لمعاقبة المخالف للقاعدة القانونية، ويعتبر تسليط الجزاء على المخالف للقانون ضرورة لابد منها في المجتمع وذلك لوجود أشخاص ينعدم لديهم الوزاع الأخلاقي والحس المدني، فالجزاء وسيلة للحفاظ على إستقرار وإنسجام المجتمع.
ثانيا: خصائص الجزاء
1-الجزاء القانوني مادي ومحسوس
يتخذ الجزاء القانوني مظهرا خارجيا محسوسا، يقوم على الإجبار الذي تمارسه السلطة العامة عن طريق القوة المادية، وبذلك يختلف عن الجزاء الأخلاقي الذي يكون بإستنكار الناس أو تأنيب الضمير، يكون للجزاء القانوني أثار مباشر على الشخص المخالف للقاعدة القانونية، ويكون ذلك الأثار ماديا ومحسوسا طالما أنه عادة ما يمس الشخص في حريته كوضع الشخص في السجن، أو يمس الشخص في ماله كتسليط عليه عقوبة تتمثل في دفع غرامة مالية أو تعويض مدني، كما يمكن أن يكون الجزاء في إتيان فعل مادي لإزالة أثار المخالفة كتهديم البناء المشيد بدون وجه حق.
2-الجزاء القانوني حال وفوري
يتم توقيع الجزاء القانوني بمجرد ثبوت قيام مخالفة القاعدة القانونية، أي أن الجزاء القانوني جزاء حال وغير مؤجل يتم تنفيذه في حياة الشخص، عكس الجزاء الديني المؤجل إلى ما بعد وفاة الشخص أي في الاخيرة.
3-الجزاء القانوني تنفذه السلطة العامة المختصة
يتم تنفيذ الجزاء القانوني من طرف السلطة العامة المختصة التي عادة ما تكون السلطة القضائية المخولة قانونا القيام بذلك، بالإضافة إلى بعض الهيئات الإدارية التي يمكن لها تسليط الجزاء على الفرد المخالف للقاعدة القانونية لكن تحت رقابة السلطة القضائية، ويمكن إستثناءا للفرد تسليط الجزاء على المخالف في حالة الدفاع الشرعى المادة 39 من قانون العقوبات.
ثالثا: أنواع الجزاء
1-الجزاء الجنائي
يعتبر الجزاء الجنائي من أشد وأقصى أنواع الجزاءات صرامة وخطورة، وذلك لسبب أن القاعدة الجنائية محل المخالفة تتعلق بأمن وسلامة المجتمع ككل.
تتدرج العقوبات الجنائية في قوتها تبعا لجسامة الجريمة المقترفة، فقد تكون العقوبة بدنية تصيب الشخص المخالف في جسمه كعقوبة الإعدام، وقد تصيبه في حريته، في حالة ما كانت العقوبة بالسجن أو الحبس، وقد تصيب الشخص في ماله، كعقوبة الغرامة المالية أو المصادرة.
تنقسم العقوبة في المجال الجنائي إلى عقوبات أصلية يتم الحكم بها دون أن تقترن بها عقوبة أخرى، وتتفاوت في شدتها بحسب جسامة الجريمة المقترفة، إما ان تكون جناية، جنحة أو مخالفة، أما العقوبات التكميلية فهي التي تكمل العقوبة الأصلية في حالة ما نطق بها القاضي ( أنظر المادة 05 و09 من قانون العقوبات).
2-الجزاء المدني
يتميز الجزاء المدني بكونه جزاء إصلاحي كونه يهدف إلى إصلاح الضرر المترتب على الإخلال بالقاعدة القانونية، ويرد الجزاء المدني في عدة صور تتمثل فيما يلى :
أ-التنفيذ العيني: يقصد به إجبار المخالف لحكم القاعدة القانونية على إحترام إلتزامه، وإجباره بتنفيذ عين ما إلتزم به، مادام لم يشأ القيام به طواعية ( مثال ذلك المادة 164 من القانون المدني).
ب-التعويض: يتمثل في إلزام المتسبب في الضرر على دفع مبلغ نقدي إلى المتضرر لجبر الضرر الذي لحقه نتيجة مخالفة قاعدة من قواعد القانون (المادة 124 و المادة 176 من القانون المدني).
ج-رد الشيء إلى أصله : يقصد به إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل حدوث المخالفة، ويرد هذا الجزاء في ثلاث صور:
-الإزالة المادية للمخالفة كهدم السور الذي يحجب الضوء على الجار (المادة 691 من التقنين المدني).
-بطلان التصرف القانوني وهو الجزاء الذي يرتبه القانون في حالة إبرام تصرف قانوني، على خلاف ما يقضي به القانون.
-فسخ التصرف القانوني وهو الجزاء الذي يترتب على عدم قيام أحد طرفي التصرف القانوني الملزم للجانبين بتنفيذ إلتزامه
( المادة 119 من التقنين المدني ).
3-الجزاء الإداري
الجزاء الإداري هو الذي يوقعه القضاء الإداري أو الذي توقعه الأجهزة الإدارية المختلفة، نتيجة مخالفة قاعدة من قواعد القانون الإداري.
يرد الجزاء الإداري في العديد من الحالات ويتخذ صور متعددة، ومن أمثلة الجزاء الإداري إبطال قررا إداري بسبب عيب في الشكل أو الإختصاص، أو ذلك الجزاء العقابي الصادر عن الهيئة الموظفة والذي يقضي بالفصل النهائي من الوظيفة.
تجدر الإشارة أن الجزاء بجميع أنواعه وصوره، يعتبر ضروري في المجتمع، وفي شتي المجالات، وذلك بإعتباره وسيلة ضرورية لضمان إحترام القانون.
المحاضرة الثانية : نطاق القانون
المبحث الأول : نطاق القانون
المطلب الأول : تمييز القانون عن قواعد السلوك الإجتماعي الأخرى ودوره في ضبط نشاط الأشخاص
الفرع الأول : تمييز القانون عن قواعد السلوك الإجتماعي
أولا : تمييز القانون عن الدين
يقصد بالدين مجموعة الأحكام والأوامر والنواهي التي أقرتها الشرائع السموية والتي أنزلها الله عز وجلى على نبي أو رسول قصد تبليغها إلى الناس للعمل بها.
يختلف القانون عن الدين في العديد من الأوجه ومن أهمها إختلافهما من حيث المصدر، المضمون، الغاية، وأخيرا الجزاء.
1-الإختلاف من حيث المصدر
يتمثل مصدر الدين في الله عز وجلى، فهو الذي يبعث الرسائل الدينية لرسوله، في حين أن مصدر القواعد القانونية هو البشر الذي تجتهد لتنظيم العلاقات الإجتماعية.
2-الإختلاف من حيث المضمون
يتمثل مضمون القانون في مجموعة قواعد تنظم السلوك الإجتماعية للأفراد، في حين أن الدين يتجاوز هذا النطاق ليمتد إلى مجال العبادات والأخلاق، فحتي إن يلتقي كل من القانون والدين في مجال المعاملات، إلا أن الدين يبقي أوسع وأشمل فيما يتعلق بتنظيم الحياة مقارنة بالقانون.
3-الإختلاف من حيث الغاية
غاية الدين هي مثالية تتمثل في إرساء الإيمان باالله عز وجلى في مجال العبادات، أما في مجال الأخلاق والمعاملات فهدف الدين هو تحقيق غاية نفعية ومادية ليس للنوايا أي مكان، فغاية القانون هي تحقيق الحماية للأفراد وممتلكاتهم وتحقيق المساواة بينهم.
4-الإختلاف من حيث الجزاء
يختلف الجزاء القانوني عن الجزاء الديني فيما يلى :
-الجزاء القانوني جزاء حال ودنيوي، في حين أن الجزاء الديني يمكن أن يكون عاجلا، أي في الحياة والاخيرة.
-الجزاء الديني يتضمن فكرة الثواب والعقاب، في حين أن الجزاء القانوني غالبا ما لا يتضمن إلا فكرة العقاب.
ثانيا: تمييز القانون عن الأخلاق
الأخلاق هي التي يجب أن تكون المثل الأعلى للفرد في المجتمع، ويتميز القانون عن الأخلاق على ثلاث مستويات والتي هي كالأتي:
1-من حيث الغرض
غاية الأخلاق مثالية وهي السمو بالإنسان نحو الكمال، بينما القانون يسعى إلى ضبط سلوك الافراد والحفاظ على النظام العام في المجتمع.
2-من حيث النطاق
القواعد الأخلاقية أوسع نطاق وشمول من القواعد القانونية، حيث أن الأولى يدخل في إطارها واجب الإنسان نحو نفسه، وهي الأخلاق الشخصية، وواجب الإنسان نحو غيره، أما القانون فلا يتناول إلا الثانية أي واجب الإنسان نحو غيره وهذا هو المجال المشترك بينهما، لذلك نجد أن في أغلب القواعد القانونية هي في نفس الوقت قواعد أخلاقية كتجريم الإعتداء على جسم الغير أو أمواله أو عرضه.
3-من حيث الجزاء
الجزاء في القاعدة القانونية هو جزاء مادي، حال وفوري تتولى السلطة العامة بتنفيذه بالقوة، في حين الجزاء الأخلاقي يتميز بكونه معنوي أدبي ينحصر في تأنيب الضمير ونفور المجتمع من مرتكبيه.
تجدر الإشارة إلى أن غالبا ما يجتمع الجزائين في فعل واحد، فالذي يقدم على قتل شخص ما يكون محل جزاء وعقاب قانوني، كما أنه يكون محل تأنيب ضمير وإستهجان وعزل من المجتمع.
الفرع الثاني : دور القانون في ضبط نشاط الأشخاص
أولا : تدخل القانون لضبط نشاط الأفراد في ظل المذهب الفردي
يمثل هذا المذهب فلاسفة القرن 18، من بينهم E.KANT،J.J.ROUSSEAU ، A.SMITH.
يرى هذا المذهب أن الفرد هو المحور الأساسي لوجود القانون، فالفرد حسب هذا التوجه لا يستمد وجوده وحقوقه من المجتمع، بل المجتمع هو الذي يستمد وجوده من الفرد، فهذا الأخير مستقل وله حقوق طبيعية لا يمنحها القانون له بل هي موجودة قبل وجود القانون نفسه.
يتمثل دور القانون حسب هذا الإتجاه في حماية الحرية الفردية للأشخاص عن طريق وضع القواعد الكفيلة بوضع حد للتناقضات بين حريات الأشخاص والتداخل فيما بينها، فالقانون يفرض على الأفراد أحكام تقضي بعدم الإضرار بالغير لكن دون التدخل لفرض منطق التضامن الإجتماعي.
ساهم هذا المذهب في تقديس الحرية الفردية للإنسان وتحريره من أنظمة الحكم الإستبدادية التي كانت سائدة في أوروبا في القرون الوسطى (Période Médiévale)، مما أدي إلى تشجيع النشاط الفردي وتحرير روح الإبداع والإبتكار لديهم.
تكمن نقطة ضعف هذا الإتجاه في كونه أنه أنكر ما للمجتمع من حقوق على الفرد، وهذا ما من شأنه أن يؤدي إلى إغلاب المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة، حيث أن المبالغة في تجميد الحريات الفردية يؤدي لا محالة إلى تفاوت طبقي في المجتمع تفرض فيه فئة قليلة منطقها على أغلبية أفراد المجتمع.
ثانيا: تدخل القانون لضبط نشاط الأشخاص في ظل المذهب الإشتراكي
يمثل هذا الإتجاه المفكر والفيلسوف K.Marx، ويرى هذا المذهب أن المجتمع هو المحور الأساسي لوجود القانون، ولا يرى إلى الفرد إلا كجزء من المجتمع، حيث يكون هذا الفرد متضامنا مع الأفراد الأخرين بهدف تحقيق المصلحة العامة، وذلك بإعتبار الإنسان كائن إجتماعي بالفطرة، وبذلك فإن مصلحة الفرد لا توجد ولا تتحقق إلا من خلال مصلحة الجماعة.
يتسع دور القانون في إطار هذا المذهب ليشمل ضبط كل مجالات الحياة الإجتماعية، إقتصاديا، سياسيا وثقافيا، وذلك لمنع الظلم والإستغلال الذي قد تفرضه الأقلية المالكة للمال على الأغلبية الممثلة لفئة العمال.
إن وظيفة الدولة من منظور هذا المذهب يتميز بالشمولية، فدورها يتجاوز الحفاظ على النظام وسيادة الأمن، ليمتد إلى توجيه النشاط الإقتصادي والحد من حرية الأفراد في هذا المجال بالقدر يكون كفيلا بتحقيق العدل الإجتماعي.
تتمثل محاسن هذا الإتجاه في كونه أنه يقضي على طغيان الأقوياء على الضعفاء، ويصبو إلى التوزيع العادل للثروات عن طريق تدخل الدولة في شتي الميادين، وفرض القانون لمبدأ الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج.
إن هذا النظام لا يخلو من مساوىء بإعتبار أنه يؤدي إلى إستبداد السلطة العامة التي تجعل من القانون وسيلة لسحق حرية الأفراد وتجريده من مقاومته المعنوية الأساسية، حيث غالبا ما توصف الأنظمة الإشتراكية بالديكتاتورية والسلطوية، وهذا ما من شأنه أن ينعكس سلبا على روح الإبتكار لدى الفرد وخلق الخمول واللامبالاة لديه، بسب إنعدام الحوافز الشخصية، وهذا لا يكون إلا ذات إنعكاس سلبي على المصلحة العامة.
المطلب الثاني : علاقة القانون بالعلوم الإجتماعة الأخرى
الفرع الأول: علاقة القانون بعلم الإجتماع
يتمثل موضوع علم الإجتماع في دراسة الظواهر الإجتماعيىة ومتابعة سلوك الإنسان في المجتمع، فالقانون يعتمد على علم الإجتماع للتعرف على الحقائق والظواهر الإجتماعية ليتمكن من تنظيمها ووضع قواعد سلوك تتلائم و تتماشي مع البيئة الإجتماعية التي وضعت من أجلها.
إن إستعانة القانون بالعلوم الإجتماعية بهدف تحقيق التوافق بين أحكامه والميول السائدة في البيئة الإجتماعية، غير أن هذه الإستعانة ليست مطلقة بل نسبية، كون أنه في بعض الأحيان يتخذ موقف المقاومة لمظاهر الإنحراف التي تشوب المجتمع عن طريق وضع القواعد القانونية الكفيلة بتجريم الإنحراف، وفي هذا الصدد يلعب قانون العقوبات دورا أساسيا للقضاء على مختلف الأفات التي تمس المجتمع.
الفرع الثاني: علاقة القانون بعلم السياسة
للقانون صلة وثيقة بعلم السياسة، كون أن القانون هو الذي يوضح طبيعة النظام السياسي للحكم السائد في المجتمع، ويحدد السلطات المختلفة في الدولة من تشريعة، تنفيذية، وقضائية، ويبين العلاقة بينهما، كما أن القانون هو الذي يكرس الحقوق السياسية للأفراد.
ينعكس الإتجاه السياسي الذي يتخذه أي بلد على المنظومة القانونية السائدة فيه، فالقانون يتأثر بالسياسة عندما يتغير شكل المجتمع، فالأنظمة القانونية تختلف بين النظامين الليبيرالي والإشتراكي، فحق الملكية مثلا يعتبر مطلق في النهج الرأسمالي، في حين أن في النهج الإشتراكي يعتبر ذي وظيفة إجتماعية.
تجدر الإشارة إلى أنه فيما يتعلق بتطبيق القانون، فإنه يحدث أن يكون تعارض بين الإتجاه السياسي السائد في الدولة وبين نصوص القانون، الأمر الذي يضع القضاة في موقف حرج، فإما أن يحترموا هذه النصوص أو ينحرفوا عنها مراعاة للإعتبارات السياسية، وفي هذه الحالة يتعين أن يكون القاضي موضوعيا لأنه رجل قانون لا رجل سياسي.
الفرع الثالث : علاقة القانون بعلم الإقتصاد
علم الإقتصاد هو مجموعة النظم التي تحكم النشاط الإقتصادي في مظاهره المختلفة من إنتاج وتوزيع وإستهلاك أو هو العلم الذي يهتم بخلق وتداول الثروة في المجتمع، فهو بذلك وثيق الصلة بالقانون الذي يهدف إلى تنظيم علاقات الأفراد في المجتمع.
إن للنزعة الإقتصادية السائدة في المجتمع أثار على القواعد القانونية المختلفة الضابطة للمجتمع، فمذهب الإقتصاد الحر يؤدي إلى إطلاق حق الملكية وحرية التداول، في حين أن المذهب الإشتراكي يؤدي إلى التضييق من حق الملكية وفرض قواعد صارمة تنظم العقود بمختلف أنواعها.
يأثر القانون على الإقتصاد من خلال تدخل الدولة عبر سن نصوص قانونية لتوجيه العملية الإنتاجية بما يخدم المصلحة الوطنية، إضافة إلى أن القانون يدخل لتنظيم العملية الإستهلاكية كتشجيع إستهلاك المنتوج الوطني على حساب المنتوج المستورد، وللقانون أيضا دور في توزيع الثروة، ويظهر ذلك حينما تقدم الدولة إلى رفع الأجر الوطني الأدنى المضمون SNMG، حفاظا على القدرة الشرائية للمواطن، وأخيرا فإن القانون يتدخل في جميع المجالات الإقتصادية عن طريق فرض الضرائب والرسوم.
إن عملية التداخل بين القانون والإقتصاد لا تقف عند هذا الحد بل مثلما يؤثر القانون على الإقتصاد فإن هذا الأخير أيضا يؤثر في القانون، بإعتبار أن التقدم العلمي والتكنولوجي أدى إلى تنوع أوجه النشاط الإقتصادي، الأمر الذي يستدعي وضع القواعد القانونية الكفيلة تحكمه وتنظمه، ومن أمثلة ذلك عقود التأمين، مجال الإتصالات السلكية واللاسلكية...إلخ
المحاضرة الثالثة : أقسام القانون
إن فكرة تقسيم القانون إلى قانون عام وقانون خاص، هي فكرة تقليدية يرجع تاريخها إلى القانون الروماني، وقد كان الهدف منها، هو جعل الحاكم يتميز عن المحكومين وذلك بإعطائه سلطات وإمتيازات خاصة، ولا يزال هذا التقسيم سائدا في كثير من دول العالم حتي الان.
المطلب الأول : التمييز بين القانون العام والقانون الخاص
الفرع الأول : معايير التمييز بين القانون العام والقانون الخاص
أولا : معيار الأشخاص أطراف العلاقة القانونية
يرى أنصار هذا المعيار أن التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص تقوم على أساس الأشخاص أطراف العلاقة القانونية، فإذا كانت الدولة أو أحد فروعها طرف في هذه العلاقة فإن القاعدة القانونية تكون من صميم القانون العام، أما إذا كانت أطراف العلاقة القانونية من الأشخاص الطبعيون، نكون بصدد قاعدة قانونية من القانون الخاص.
يعاب على هذا المعيار أن الدولة عندما تباشر نشاطها مع الأفراد العاديين قد تدخل إما بإعتبارها صاحبة سيادة، أو بإعتبارها شخص عادي معنوي، وهذا المعيار لم يأخذ بعين الإعتبار هذه التفرقة في الصفة التي يمكن للدولة أن تكون طرفا في العلاقة القانونية.
ثانيا : معيار طبيعة القواعد القانونية
يرى أنصار هذا المعيار أن أساس التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص، هو بالنظر إلى طبيعة القواعد القانونية في حد ذاتها، وذلك لكون أن قواعد القانون العام هي قواعد أمرة لا يمكن مخالفتة أحكامها، في حين أن قواعد القانون الخاص، هي قواعد مكملة يجوز للأفراد الإتفاق على مخالفة أحكامها، فحسب هذا المعيار فإن الخضوع ملازم للقانون العام، في حين أن الحرية ملازمة للقانون الخاص.
يعاب على هذا المعيار أنه لم يأخذ بعين الإعتبار أن ليس كل قواعد القانون الخاص مكملة، بل هناك قواعد قانونية أمرة واردة في القانون الخاص، مثال ذلك قواعد الميراث.
ثالثا : معيار صفة الأشخاص أطراف العلاقة القانونية
يعتبر هذا المعيار من أهم المعايير التي قدمها الفقه حتي الأن، فهو بمثابة المرجعية التي يمكن الإعتماد عليها للتفرقة بين القانون العام والقانون الخاص، وأساس التفرقة حسب هذا المعيار يتم بالنظر إلى صفة الأشخاص أطراف العلاقة القانونية.
تتجسد الأشخاص المعنوية العامة في كل من الدولة أو أحد فروعها المتمثلة في الهيئات المركزية أو اللامركزية أو الهيئات الإدارية المستقلة، أما الأشخاص المعنوية الخاصة فإنها تتجسد في الجمعيات والمؤسسات والشركات الخاصة.
تتدخل الدولة أثناء ممارستها لمختلف علاقاتها القانونية مع الأفراد بإحدى الصفتيين ، فإما أن تتدخل بصفتها شخص معنوى صاحب السلطة والسيادة، أي تتدخل بصفتها شخص معنوي عادي غير ممثل للسلطة والسيادة.
يتم من منظور هذا المعيار التمييز بين القانون العام والقانون الخاص على أساس تحقيق وتوفر عنصر السلطة العامة، فإذا تحقق هذا العنصر يكون القانون العام هو الذي يحكم العلاقة القانونية، وإذا لم يتوفر هذا العنصر فإن القانون الخاص هو الذي يحكم تلك العلاقة القانونية.
يمكن من خلال تطبيق هذا المعيار تعريف القانون العام بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين الأشخاص والدولة في المجتمع، بين الدولة وغيرها من الدول والمنظمات الدولية بوصفها صاحبة السيادة والسلطة.
يمكن كذلك تعريف القانون الخاص إعتمادا على هذا المعيار أنه مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين أشخاص القانون الخاص طبعيين أو معنويين فيما بينهم أو بينهم وبين الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة المتفرعة عنها بوصفها شخصا عاديا وليس بوصفها صاحبة السيادة والسلطان.
الفرع الثاني : أهمية تقسيم القانون إلى عام وخاص
أولا : الأهمية في مجال الإمتيازات
يمنح القانون العام للسلطات العامة إمتيازات كثيرة، وذلك أنه يمكن للدولة اللجوء إلى بعض الوسائل في سبيل تحقيق الصالح العام كسلطة الدولة في فرض العقاب في بعض الجرائم، أو سلطتها في فرض وتحصيل الضرائب.
ثانيا : في مجال العقود
إن العقود التي تبرمها الدولة والتي تسمى بالعقود الإدارية لا تخضع لنفس القواعد القانونية التي تخضع لها العقود العادية المبرمة بين الأـشخاص العاديين، فالدولة تتمتع بمركز ممتاز يسمح لها بتوقيع جزاءات على المتعاقد معها في مجال إخلاله بشروط العقد مثل إلغاء العقد أو تعديل شروطه أو حتي فرض جزاءات عقابية ومالية.
ثالثا: في مجال الأموال العامة
الأموال العامة هي تلك الأموال التي تخصصها الإدارة للمنفعة العامة، وهي بذلك تخضع لقواعد قانونية تختلف عن تلك التي تخضع لها الأموال الخاصة، فالأموال العامة لا تجوز التصرف فيها إلا وفقا لإجراءات صارمة، كما أنه لا تجوز الحجز عليها ولا تملكها بالتقادم.
رابعا: في مجال الإختصاص القضائي
يرجع الإختصاص للنظر في المنازعات التي تكون فيها الدولة أو أحد فروعها طرفا فيها، إلى القضاء الإداري، في حين أن الدعاوى التي لا تكون فيها الدولة أو أحد فروعها طرفا فيها فإن الإختصاص يؤول إلى القضاء العادي.
المطلب الثاني: فروع أقسام القانون
الفرع الأول : فروع القانون العام
أولا : القانون الدولي العام
القانون الدولى العام هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم علاقات الدول بعضها بالبعض الأخر، فتحدد حقوق وواجبات كل منها، سواءا في وقت السلم أو في وقت الحرب، كما تنظم قواعد القانون الدولي العام، علاقة الدولة بالمنظمات الدولية، وعلاقات هذه الأخيرة ببعضها البعض الأخر.
ثانيا : القانون العام الداخلي
1-القانون الدستوري
القانون الدستوري هو مجموعة القواعد الأساسية التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وتبين سلطاتها العامة، من حيث تكوينها وإختصاص كل منها وعلاقاتها مع بعضها البعض، وتقرر الحقوق والواجبات والحريات الأساسية للأفراد في الدولة وضماناتها، وتبين علاقاتهم بالسلطات العامة فيها، فالقانون الدستوري يبين طبيعة وشكل الدولة ( بسيطة أو فيديرالية)، وتحدد كذلك نظام الحكم فيها( ملكي أو جمهوري)، كما أنه يبين السلطات العامة فيها وإختصاصات كل منها(تشريعية تنفيذية قضائية)، بالإضافة إلى ذلك فإن القانون الدستوري يقرر الحقوق الأساسية للافراد، وما عليهم من واجبات، وينظم علاقاتهم بالدولة.
2-القانون الإداري
القانون الإداري هو مجموعة القواعد التي تنظم قيام السلطة التفيذية بوظائفها الإدارية المختلفة، وهي كذلك تلك القواعد التي تنظم الوظيفة العمومية، إلى جانب تنظيمها أيضا للعقود الإدارية، بالإضافة إلى ذلك فإن القانون الإداري يهتم بدراسة الأشخاص الإدارية عن طريق تحديديها وتوضيح العلاقة بين المجالس المحلية اللامركزية كالبلدية والولاية بالسلطات المركزية.
3-القانون المالي
القانون المالي هو فرع من فروع القانون العام تختص في دراسة وتحديد ميزانية الدولة، من حيث إيراداتها ونفقاتها، ويبين كذلك تنظيم الضرائب على إختلاف أنواعها وطرق تحصيلها، بالإضافة إلى ذلك فإن القانون المالي يسهر كذلك على ضبط ورقابة ميزانية الدولة من خلال تكريس أليات قانونية يتمثل دورها في الرقابة على الإنفاق.
4-القانون الجنائي
القانون الجنائي هو القانون الذي يشتمل على بيان القواعد الموضوعية والإجرائية في مجالي التجريم والعقاب
القسم الاول : قانون العقوبات
يعرف قانون العقوبات على أنه مجموعة القواعد التي تبين وتحدد الجرائم المختلفة والعقوبات المقررة لها، كما أنه يبين شروط المسؤولية الجنائية والظروف المشددة والمخففة لها، وأحوال الإعفاء منها.
القسم الثاني: قانون الإجراءات الجزائية
هو ذلك الفرع من القانون الجنائي الذي يتضمن القواعد الإجرائية (الشكلية) التي تكرس الطرق والإجراءات الواجب إتباعها، من وقت وقوع الجريمة، إلى غاية توقيع العقاب على مرتكبها، وتتمثل أساس هذه الإجراءات في كيفية القبض على المجرم، إجراءات التفتيش، طرق جمع الادلة، كيفية التحقيق، إحالة الملف على المحكمة، إجراءات المحاكمة، صدور الأحكام وطرق الطعن فيها، تنفيذ هذه الأحكام وكذلك الجهات القضائية المخول لها قانونا بتنفيذ الأحكام الجزائية.
الفرع الثاني : فرع القانون الخاص
ألا : القانون المدني
يعتبر القانون المدني من أقدم فروع القانون، فهو بذلك الشريعة العامة للقانون الخاص، وهو مجموعة القواعد القانونية التي تحدد العلاقات بين الأشخاص، فيما عدا ما يتناوله بالتنظيم فرع أخر من فروع القانون الخاص، وتتمثل مجالات القانون المدني بصفة عامة، في تنظيم المجالات التالية : العقود وأنواعها، الحقوق العينية الأصلية كالملكية، والحقوق العينية التبيعة كالرهن(Droit réels principaux, Droit réels accessoires).
ثانيا : القانون التجاري
القانون التجاري هو عبارة عن مجموعة القواعد القانونية التي تنظم وتحكم فئة من الأعمال المسماة بالأعمال التجارية، وطائفة من الأشخاص تسمى التجار.
إستقل القانون التجاري عن القانون المدني، فأصبح فرعا قائما بذاته، وذلك عندما إزداد النشاط التجاري، وجدت الحاجة إلى وضع قواعد خاصة تلائم ما تقتضيه التجارة، من سرعة في العمل وما تقوم عليه علاقات التجار بعضهم بالبعض الأخر، من ثقة وإئتمان وسرعة في التعامل لا تتوفر في المعاملات غير التجارية.
ثالثا : قانون العمل
قانون العمل هو مجموعة القواعد القانونية التي تحكم العلاقات الناشئة بين العمال وأصحاب العمل، وذلك في نطاق العمل المأجور، حيث يرتبط العمال وأصحاب العمل برابطة تبعية تطلق عليها عبارة التبعية القانونية، يكون العامل بموجبها خاضعا لرقابة وتوجيه صاحب العمل.
إن ظهور قانون العمل يرجع إلى إختلال التوازن بين طرفي عقد العمل عقب النهظة الصناعية في أوروبا، الأمر الذي أدى إلى إصدار تشريعات لحماية الطبقة العاملة وحفظ حقوقها.
رابعا: القانون الدولي الخاص
يمكن تعريف القانون الدولي الخاص بأنه مجموعة من القواعد القانونية التي تبين القانون الواجب التطبيق والمحكمة المختصة بالنسبة إلى العلاقات القانونية الخاصة ذات العنصر الأجنبي.
تكون العلاقة القانونية ذات عنصر أجنبي إذا كان أحد طرفيها، أو كلاهما أجنبيا أو إذا كانت ناشئة عن عقد أبرم في الخارج، أو تعلق بعقار موجود في دولة أجنبية، أو حادث وقع لمواطن في غير موطنه.
المحاضرة الرابعة : طبيعة القواعد القانونية
المطلب الأول : أنواع القواعد القانونية
الفرع الأول :القواعد الأمر les règles impératives
القاعدة القانونية الأمرة هي تلك القاعدة التي يلتزم الأفراد بإحترامها، بحيث لا تجوز الإتفاق على خلافها، وذلك لتعلقها بالنظام العام في المجتمع، فبالتالي فإن القاعدة الامرة تأمر بفعل ما أو تنهي عنه بصفة مطلقة ينعدم إزائها سلطلن إرادة الافراد.
إن الإتفاق الذي يقضي بمخالفة القاعدة قانونية أمرة يقع من الناحية القانونية باطلا بطلانا مطلقا، فلا يمكن مثلا لشخص أن يتفق مع شخص أخر من أجل أن يقدم أحدهما على قتل الأخر، كما انه لا يمكن لأي شخص أن يزعم بأنه بإمكان التنصل من أداء الضرائب التي يفرضها عليه القانون، مثال على ذلك في المادة 304 من تقنين العقوبات .
الفرع الثاني: القواعد المكملة les règles supplétives
القواعد القانونية المكملة هي تلك القواعد التي تجوز للافراد الإتفاق على ما تخالفها وإستبعاد تطبيق أحكامها والإتفاق على عكس ما جاء فيها، لأنها لا تتصل بالمصلحة العامة للمجتمع ولا بالنظام العام.
إن فكرة القواعد المكملة تنظم في الغالب علاقات يترك تنظيمها في الاصل لإرادة الأفراد، ولكن لإحتمال ورود إمكانية إقدام الأفراد على تنظيم بعض المساءل في مجال المعاملات القانونية، فإن القانون يشتمل على قواعد إحتياطية تكمل ما يشوب إتفاقات الأفراد من نقص.
والجدير بالذكر أن القاعدة القانونية المكملة تتسم بالطابع الإلزامي، غير أن ذلك لا يتحقق إلا بتوافر شرط عدم إتفاق الأفرد على عكس ما جاء فيها من أحكام.
ومن أمثلة القواعد القانونية المكملة أحكام المادة 387 من القانون المدني التي تقضي أنه يجب دفع ثمن المبيع في مكان تسليم المبيع، ما لم يوجد إتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك، أي أن إلزامية دفع ثمن المبيع في مكان تسليم المبيع لا تتححق إلا في حالة عدم الإتفاق بين الأطراف المتعاقة، وكذلك في حالة عدم وجود عرف يقضي بخلاف ذلك.
المطلب الثاني : معيار التفرقة بين القاعدة الأمرة والقاعدة المكملة
الفرع الأول : المعيار الشكلي أو اللفظي
يتسم حسب هذا المعيار التمييز بين القواعد الأمرة والقواعد المكملة على أساس عبارات النص في حد ذاته، التي من خلالها يمكن إستنتاج نية المشرع في تحديد صفة القاعدة، إن كانت قاعدة أمرة أو قاعدة مكملة.
يستعمل المشرع في حالة القواعد الأمرة ألفاظا قاطعة للدلالة على عدم جواز الإتفاق أو مخالفة القاعدة القانونية، كما أنه يستعمل المشرع عبارات واضحة للدلالة على إقتران مخالفة قاعدة قانونية بعقوبة، مثلما هو الحال في القانون الجنائي، كما انه يمكن للمشرع أن ينص صراحة على بطلان أي تصرف يكون مخالفا لمضمون قاعدة قانونية امرة، ومثال ذلك أحكام المادة 92/02 من التقنين المدني الجزائري التي تنص :"...غير أن التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة باطل، ولو كان برضاه...".
الفرع الثاني : المعيار الموضوعي
إن في بعض الحالات لا يمكن من خلال الالفاظ المستعملة في النص القانوني التعرف على طبيعة القاعدة القانونية، إذ هي من قبيل القواعد الأمرة أو المكملة، وفي هذه الحالة يتعين الرجوع إلي معيار أخر لتحديد التفرقة، وهو المعيار الموضوعي الذي يعتمد على التأكد إن كانت القاعدة القانونية تتعلق بالنظام العام أو الأداب العامة أم أنها لا تتعلق بأحدهما، فإذا كانت كذلك، أي إذا كان موضوع القاعدة يمس بالنظام العام أو الأداب العامة فنكون بصدد قاعدة أمرة لا تجب مخالفتة مضمونها أو الإتفاق على عكس ما جاء فيها، وذلك كون النظام العام والاداب العامة يتعلقان بالمصلحة العامة ويرتبط بكيان المجتمع، أما إذا كان موضوع القاعدة القانونية لا يتعلق بالنظام العام ولا الأداب العامة فنكون بصدد قاعدة مكملة يمكن الإتفاق على عكس ما جاء فيها، وذلك لتعلقها بالمصلحة الخاصة للأفراد الذين هم أحرار في التصرف فيها.
تعتبر قواعد القانون العام من صميم القواعد الامرة التي لا يمكن مخالفتها وذلك سواءا تعلق الامر بالقواعد الدستورية، القواعد القانونية الإدارية، أو القواعد القانونية الجنائية، لأنها كلها قواعد مرتبطة بالنظام العام يتمحور موضوعها حول ممارسة السلطة، حماية الحريات الاساسية للافراد، وكذلك حماية كيان المجتمع إلى جانب حماية سلامة الفرد وممتلكاتهم، فالنظام العام حسب التعريف الفقهي هو مجموعة المصالح الجوهرية للمجتمع أو مجموعة الاسس التي يقوم عليها كيان الجماعة، سواءا تعلق الامر بالسس السياسية، الإجتماعية، الإقتصادية أة الخلقية.
أما فكرة الأداب العامة فهي مجموعة الأصول والأسس الأخلاقية التي يقوم عليها نظام المجتمع واللازمة لبقائه وتماسكه، ومن تطبيقات فكرة الأداب العامة في البلدان العربية إبطال الإتفاقات المتعلقة بإنشاء بيوت الدعارة.
المحاضرة الخامسة : مصادر القانون
المبحث الأول : المصادر الرسمية للقانون
المطلب الأول : التشريع كمصدر أصلي للقانون
الفرع الأول : مفهوم التشريع
أولا : تعريف التشريع
-1-المعني العام للتشريع
يتمثل المعني العام للتشريع بصفة عامة في معنيين هما :
-أ-المعني الأول : هو عملية قيام السلطة المختصة في الدولة، المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة بالنسبة للجزائر، بوضع قواعد قانونية جبرية (ملزمة) مكتوبة لتنظيم العلاقات في المجتمع، وذلك في حدود إختصاصها، ووفقا للإجراءات المقررة لذلك.
-ب-المعني الثاني : هو مجموعة القواعد القانونية المكتوبة ذاتها، التي تم وضعها من قبل السلطات المختصة في الدولة، لحكم علاقات الأفراد في المجتمع، سواءا كانت هذه السلطة هي السلطة التشريعية أو هي السلطة التنفيذية.
-2-المعني الخاص للتشريع
يتمثل المعني الخاص للتشريع (la loi ) في مجموعة القواعد القانونية المكتوبة التي تضعها السلطة التشريعية le pouvoir legislatif في الدولة في حدود الإختصاص المخول لها (الممنوح لها) دستوريا.
ثانيا : خصائص التشريع
يتميز التشريع بالخصائص التالية :
-1-التشريع يجب أن يتضمن قاعدة قانونية ، معني ذلك أنه تجب أن تحتوي التشريع على مجموعة من القواعد القانونية التي تتمتع بالخصائص التي سبق دراستها، فالقاعدة القانونية التي يجب أن يتمتع بها التشريع تكون دائما تتعلق بتنظيم قواعد سلوك إجتماعي، عامة ومجردة، بالإضافة إلى ضرورة كونها ملزمة أي مصحوبة بجزاء توقعه السلطة العامة المختصة في الدولة.
-2-التشريع يتضمن قاعدة مكتوبة ، معني ذلك أن يصدر التشريع الذي يتكون ممن قواعد قانونية، على شكل وثيقة مكتوبة، وذلك عكس العرف الذي هو قانون غير مكتوب.
-3-التشريع يصدر عن سلطة عامة مختصة بوضعه، معني ذلك أن يتم سن أو وضع التشريع من طرف السلطة التشريعة المختصة في الدولة والتي يحددها الدستور، والمتمثلة بالنسبة للجزائر في كل من المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة.
ثالثا : أهمية التشريع
تتمثل أهمية التشريع فيما يلي :
-1-التشريع يؤدي إلى تحقيق وحدة النظام القانوني في الدولة :
يسري التشريع على كل أرجاء البلاد، فيكون بذلك القانون واحدا في الدولة ويسري على الجميع دون إستثناء وتتحقق بذلك الوحدة الوطنية التي هي أساس الوحدة السياسية في الدولة، وبذلك يسود التضامن بين الافراد المكونين للمجتمع.
-2-التشريع أسلوب فعال للإستجابة لحاجات المجتمع
تظهر فعالية التشريع (efficacité) في كون أن التشريع يسهل سنه، وتعديله، أو إلغائه، وذلك بالسرعة والسهولة التي تتطلبها الأحوال، وهكذا فبإمكان المشرع مسايرة التغيرات الإجتماعية والإقتصادية الطارئة، فالتشريع يتميز بالسرعة في التكوين عكس العرف الذي يتطلب وقت طويل للتكوين.
-3-التشريع يسمح للافراد بمعرفة حقوقهم وواجباتهم
وذلك أن التشريع يصدر في صورة مكتوبة بألفاظ وعبارات محددة تساعد على التأكد من ووده وتحديد معناه، وذلك يساعد الأشخاص على معرفة القواعد القانونية التي تحكم معاملاتهم، ما يسمح لهم على تحقيق الأمن في المجتمع والإستقرار في المعاملات، عكس العرف الذي يصعب التعرف عليه، كونه غير مكتوب، وبالتالي فأحكامه يصعب معرفتها.
الفرع الثاني : أنواع التشريع
تتمثل أنواع التشريع في كل من التشريع الأساسي، التشريع العضوي والعادي، والتشريع الفرعي.
أولا : التشريع الأساسي (الدستور)
الدستور هو مجموعة القواعد الأساسية التي تحدد شكل الدولة وتضع قواعد الحكم وتنظم السلطات العامة فيها، وتقرر الحقوق الأساسية للافراد والضمانات المقررة لحمايتها.
يعتبر الدستور أعلى التشريعات درجة، فمنه تتفرع مختلف التشريعات الاخرى، والتي تكون مطابقة لأحكامه ومنسجمة معها.
يتم وضع الدستور عن طريق جمعية تأسيسية Assemblée constituante، والتي ينتخبها الشعب لغرض وضع الدستور، كما أنه يمكن أن يتم وضع الدستور من طرف لجنة يعينها رئيس الجمهورية، ليتم بعد ذلك عرض مشروع الدستور على البرلمان، وبعد ذلك على إستفتاء شعبي.
ثانيا : التشريع العضوي والتشريع العادي
يقصد بالتشريعيين العضوي والعادي، مجموعة القواعد القانونية المكتوبة التي تضعها السلطة التشريعية في الدولة في حدود إختصاصاتها الدستورية.
يتمثل الإختلاف بين التشريع العادي والتشريع العضوي، في كون أن التشريع العادي ينظم مسائل وعلاقات قانونية عادية كقانون الجنسية وقانون العقوبات، والقانون التجاري...إلخ، في حين أن التشريع العضوي هو إجراء تشريعي لتكملة قواعد الدستور وإدخالها حيز التفيذ، ومن أمثلة التشريعات العضوية القانون الأساسي للقضاء، وقانو الإعلام...إلخ.
إن السلطة التشريعية هي التي تختص أصلا في وضع التشريعات، أما السلطة التنفيذية فتقوم بتنفيذه، في حين أن السلطة القضائية تختص بتطبيقه على مختلف المنازعات التي تعرض عليها.
يمر التشريع قبل نفاذه بمجموعة من المراحل تتمثل فيما يلى :
-1-مرحلة السن : يتم من خلال هذه المرحلة إقتراح التشريع من طرف الحكومة، أو يمكن أن يتم من طرف مجموعة من النواب، يحدد الدستور عددهم (20 نائب على الأقل)، وفي هذه المرحلة نكون بصدد مشروع تشريع projet de loi وبعد أن يتم إقتراحه، يتم فحص المشروع أمام لجنة مختصة تابعة للمجلس الشعبي الوطني التي تقدم تقريرا حول مدى قابلية مناقشته، وبعد ذلك يتم عرضه للمناقشة أمام المجلس الشعبي الوطني الذي يصوت عليه، وبعد ذلك يتم إحالته أمام مجلس الأمة الذي بدوره أيضا يقوم بمناقشته والتصويت عليه، وكل هذه الإجراءات تتم وفقا لإجراءت منصوص عليها في الدستور.
-2-مرحلة النفاذ : بعد إنتهاء مرحلة سن القانون، فإن تنفيذه يتوقف على إجراءأين هما : الإصدار والنشر.
يتمثل إجراء إصدار التشريع في ذلك الإقرار الصادر عن رئيس الجمهورية، والذي يسمي بمرسوم الإصدار والمتضمن أمر تنفيذ التشريع Décret de Promulgation.
أما إجراءات النشر فهو الوسيلة التي يتم شهر التشريع وإعلام المخاطبين به حتي يلتزموا بمضمونه، فإذا كان الإصدار يمنح للتشريع الطابع التنفيذي فإن النشر يمنح الطابع الإلزامي له، ويتم نشر التشريع عن طريق الجريدة الرسمية، حيث تحمل رقما وتاريخا وسنة إصداره، وبالتالي فإن التشريع بعد إنقضاء مدة يوم واحد من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية ذلك أنه لا تكليف إلا بمعلوم، وأن العدل يقضي إعلام المخاطبين بالتشريع بضمونه حتي لا يتذرعوا بجهلهم له وبمضمونه.
ثالثا : التشريع الفرعي أو اللوائح Les reglements
هو التشريع التفصيلي الذي تسنه السلطة التنفيذية بمقتضى الإختصاص الأصيل المخول لها في الدستور، الذي يهدف إلى تسهيل تنفيذ القوانين الصادرة من السلطة التشريعية أو تنظيم المرافق العامة أو المحافظة على الامن والصحة العامة.
ويتمثل التشريع باللوائح فيما يلى :
-اللوائح التنظيمية Reglement d’organisation
تضعها السلطة التنفيذية لتنظيم المصالح والمرافق العامة.
-اللوائح التنفيذية
مجموعة القواعد القانونية التي تقوم السلطة التنفيذة ممثلة في رئيس الحكومة بوضعها، بهدف الإسراع والتسهيل في تطبيق التشريع الصادر من السلطة التشريعية.
-لوائح الضبط والبوليس Reglements de police
مجموعة القواعد القانونية التي تقوم السلطة المركزية أو المحلية بوضعها للمحافظة على الأمن العام وحماية الصحة العامة.
المطلب الثاني : المصادر الرسمية الإحتياطية للقانون
الفرع الأول : مبادئ الشريعة الإسلامية
تقرر المادة الأولى من التقنين المدني الجزائري، أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الثاني لقواعد القانون، فإذا لم تجد القاضي نصا تشريعيا، فإنه يلجأ إلى مبادئ الشريعة الإسلامية ليحكم بها.
يقصد بمبادئ الشريعة الإسلامية، التي يجوز للقاضي الحكم بها، تلك المبادئ المتفق عليها بلا خلاف بين المذاهب الإسلامية. أما الشريعة الإسلامية فيراد بها ما شرعه الله سبحانه وتعالى بعباده من أحكام على لسان رسوله محمد (ص)، سواءا كان بالقران الكريم، أم بالسنة القولية أو الفعلية أو التقريرية.
تجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري قد إقتبس العديد من أحكام الشريعة الإسلامية ليضفي عليها الطابع التشريعي، ومن أهم هذه التشريعات التشريع المتعلق بشؤون الأسرة كالزواج، الطلاق، الميراث...إلخ.
الفرع الثاني : العرف la coutume
أولا : تعريف العرف
يمكن تعرف العرف أنه إعتياد الناس على إتباع سلوك معين لزمن معين في مسألة معينة، يؤدى إلى إستقرار الشعور فيهم بأن هذا السلوك أصبح ملزما، بحيث يستوجب إتباعه في معاملاتهم، وتعرض من تخالفه للجزاء.
يعتبر العرف من أقدم مصادر القانون، بحيث أنه كان يستعمل في المجتمعات القديمة نظرا لبساطة الحياة وقلة حاجيات الأفراد، غير أنه ونظرا لتطور الحياة الإجتماعية وكثرة الحاجييات لدى أفراد هذا المجتمع ، وبعد ظهور الدولة بمفهومها الحديث، فإن إستعمال العرف تراجع، وذلك راجع أساسا إلى خاصية البطء في الإنشاء التي يتميز بها، ليحل بذلك محله التشريع الذي يعتبر أكثر فعالية فيما يتعلق بتنظيم الحياة الإجتماعية.
ثالثا : أركان العرف
-1-الركن المادي : يقصد بالركن المادي تكرار الناس لسلوك معين في مسألة ما بأسلوب محدد، لمدة زمنية طويلة.
ومن أجل تحقق الركن المادي فإنه يتعين أن تتوفر الشروط التالية :
-أ-القدم: أي أن يرجع نشوء العادة إلى زمن بعيد، يكفي للدللة على تأصلها وترسيخها في نفوس الأفراد.
-ب-الثبات: أن تكون العادة ثابتة أي يكون تكرارها بصفة منتظمة يؤكد إستقرار وإعتياد سلوك معين.
-ج-العموم: تجب أن تكون القاعدة العرفية عامة ومجردة، أي أنها تخاطب عامة الناس بصفاتهم لا بذواتهم.
-د-الشهرة: أي أن تكون القاعدة العرفية معروفة وشائعة بين الناس.
-2-الركن المعنوي
يتمثل الركن المعنوى للعرف في أن يتولد في أذهان الناس الشعور بضرورة إحترام العادة، والإحساس أنها ملزمة لهم بإعتبارها قاعدة قانونية، وأن مخالفتها يستوجب توقيع جزاء مادي من طرف السلطة العامة.
إن تحقق الركنيين المادي والمعنوي لدى العرف تجعل منه قاعدة قانونية ملزمة، وبذلك فإن القاضي يلتزم بتطبيقه من تلقاء نفسه حينما لا تجد نصوص في التشريع أو أحكام في الشريعة الإسلامية.
الفرع الثالث : مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة
يقصد بمبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة، تلك القواعد التي تعلو على قرارات الحكام وتشريعاتهم، بحيث تصبح متصلة بمنزلة الإنسان ولصيقة بحقوقه الطبيعية، حيث أن هذه المبادئ والقواعد تكون محل إتفاق بين الأمم والدول كافة، وتصبح ضرورية في المجتمع في كل الأزمنة، ومن أمثلة هذه المبادئ والقواعد : حق الإنسان في الحياة، حق الإنسان في إحترام كيانه الأدبي وصيانة عرضه وشرفه، حقه في التملك، حقه في التنقل والعمل، ومن خلال هذه المبادئ العليا والمثالية، فإن بإمكان القاضي إنشاء قواعد قانونية يستنتجها بإجتهاده الخاص، وذلك من أجل تطبيقها على النزاع المعروض عليه، خاصة في حالة سكوت كل من التشريع، مبادئ الشريعة الإسلامية، وكذلك العرف.
المبحث الثاني : المصادر التفسيرية للقانون
المطلب الأول : القضاء la jurisprudence
الفرع الأول : تعريف القضاء
تطلق كلمة القضاء على الجهاز الذي يتكون من مجموع المحاكم، المحاكم الإدارية، المجالس القضائية، المحكمة العليا، ومجلس الدولة، المختصة بالفصل في المنازعات بموجب ما يصدر عنها من أحكام وقرارت.
يعني أيضا بالقضاء مجموع المبادئ القانونية التي تستخلص من أحكام المحاكم عند تطبيقها للقانون على ما يطرح عليها من منازعات للفصل فيها، أي الأحكام التي تتضمن مبادئ قانونية توصل إليها القضاء بعد إعمال الرأي وبذل الجهد العقلي، خاصة في الأمور التي لا يوجد فيها نصوص قانونية قاطعة، والتي تكون محل خلاف، وهذا التعريف الثاني هو الذي يهمنا في صدد دراسة مصادر القانون.
الفرع الثاني : دور القضاء في تكوين القانون
أولا : دور القضاء في الأنظمة الأنجلوسكسونية
إن الدول الأنجلوسكسونية مثل بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، تعتبر وتأخذ من القضاء كمصدر رسمي من مصادر القانون، حيث أن القانون لديها قائم أساسا وبصفة رئيسية على السوابق القضائية Les antécédents judiciaires ،وعلى هذا الأساس ففي هذه الدول يكون القضاء مصدرا رسميا للقانون ، فوفقا لنظام السابقة القانونية، فإن القاعدة التي أخذ بها القاضي في أحد أحكامه تكون ملزمة له، ويتعين عليه إحترامها في المنازعات المماثلة التي ترفع إليه.
إن إهتمام الدول الأنجلوسكسونية بالسابقة القضائية يعود إلى كون القانون هذه الدول غير مقنن وغير مكتوب، وإنما نشأ من العرف، وإستقر وتطور بفضل أحكام القضاء منذ القرن الثالث عشر، حتي أصبح لديهم ثروة ضخمة من السوابق القضائية.
ثانيا: دور القضاء في الأنظمة اللاتنية
إن الدول التي تأخذ بالنظام اللاتيني، وعلى رأسها فرنسا، بلجيكا، والذي تأثرت به أيضا الجزائر، لا تعتبر القضاء كمصدر رسمي للقانون، مثلما هو الحال بالنسبة للدول الأنجلوسكسونية، فالنظام اللاتيني يعتمد على التشريع كمصدر رسمي وأصلى للقانون، أما دور القاضي فينحصر فقط في تطبيق القانون، دون أن يكون له الإختصاص في خلقه أو صنعه، وذلك إحتراما لمبدأ الفصل بين السلطات الذي يفرض أن يكون دور السلطة التشريعية هو سن القانون، ودور القضاء هو تطبيقه.
إن القضاء في الأنظمة اللاتنية ليس من المصادر الرسمية للقانون، بل هو من المصادر التفسيرية له فقط، فدور المحاكم العليا في هذه البلدان يتمثل في الرقابة على مدى تطبيق القضاة للقانون تطبيقا صحيحا، فإذا إعتبرت أنه فعلا قد تم تطبيق صحيح القانون، فإن الطعن المرفوع إليها يرفض، أما إذا إعتبرت أنه لم يتم تطبيق صحيح القانون نقضت الحكم محل الطعن، ليتم بعد ذلك بإرجاعه إلى نفس الجهة التي أصدرته ليتم إعادة النظر فيه، بعد أن تبين مختلف الأوجه المثارة، والنقائص التي تشوبها.
تجدر الإشارة إلى أنه عادة ما يلجأ قضاة الدرجة الأولى بالأخذ بالمبادئ التي تتضمنها قرارات المحكمة العليا، للعمل بها على سبيل الإستئناس، وذلك لإعتبارات أدبية، نظرا لطول الخبرة التي يتمتع بها قضاة المحكمة العليا، وكذلك لإعتبارات عملية، كون أنهم يعلمون أن أحكامهم يمكن أن تكون محل طعن أمام هذه الهيئة وبالتالي إمكانية نقضها وإلغائها.
وأخيرا، يمكن للقضاء بواسطة قرارات المحكمة العليا أن يكون مصدرا لتفسير القانون، فيما يتعلق بالغموض الذي قد يشوبه، لكن لا يمكن له أن يكون مصدرا لخلقه أو صنعه.
المطلب الثاني : الفقه
الفرع الأول : تعريف الفقه
يقصد بإصطلاح الفقه مجموع الأراء التي يقول بها علماء القانون، وهم يشرحون أوينتقدون قواعد القانون في مؤلفاتهم ويستنبطون الحلول على ضوء شرحهم لتلك القواعد أو تعليقهم على الأحكام القضائية، كما أنه يمكن تعريف الفقه أنه مجموع الأراء التي يقول بها فقهاء القانون بصدد شرحهم للقانون وتفسيره ونقده في مؤلفاتهم وأبحاثهم أو محاضراتهم.
الفرع الثاني : دور الفقه في تكوين القانون
كان الفقه قديما من المصادر الرسمية للقانون، حيث كان من صلاحيته الفقه إنشاء قاعدة القاعدة القانونية بنفسه كما لو كان مشرعا، وهذا ما يدلنا عليه تاريخ القانون الروماني، والقانون الفرنسي القديم، إلى جانب تاريخ الشريعة الإسلامية، ففي العهد الروماني مثلا، كان القضاة يلتزمون إلى حد كبير بأراء الفقهاء، إلى درجة أنه أصبحت هذه الأراء من المصادر العامة عند تجميع القواعد القانونية في شكل مدونة، مدونة جوستنيان.
تراجع دور الفقه في المجتمعات الحديثة، ولم يعد له دور في منح القاعدة القانونية قوة الإلزام، وبذلك فلا يمكن القول أن الفقه المعاصر يعتبر مصدرا رسميا للقانون، بل هو مصدر تفسيري يلجأ إليه القاضي ليسترشد بمضمونه لفهم القاعدة القانونية.
وخلاصة القول أن مهمة الفقه تقتصر على شرح أحكام القانون وتفسير ما غمض من نصوصه وإستنباط أراء علمية تبين ما ينبغي أن يكون عليه القانون، وإثارة السبيل أمام المشرع عندما يضع قانونا جديدا أو يعدل قانونا قديما، أو أمام القضاء حينما يقوم بتطبيق القانون.
المحاضرة السادسة : تطبيق القانون
المبحث الأول : تطبيق القانون من حيث الأشخاص (مبدأ عدم جواز الإعتذار بجهل القانون)
المطلب الأول : التطبيق العام لمبدأ عدم جواز الإعتذار بجهل القانون
الفرع الأول : مضمون المبدأ
إن نشر القاعدة التشريعية في الجريدة الرسمية، ومرور يوم كامل بعد النشر بالنسبة للجزائر العاصمة، ويوم كامل من تاريخ وصولها إلى مقر الدائرة للمناطق الأخرى، تجعل من هذه القاعدة سارية المفعول في حق جميع المخاطبين بأحكامها، دون إستثناء، سواءا علموا بها أو لم يعلموا بها، على أساس إفتراض علم الكافة بالقانون، وفقا لمبدأ عدم جواز الإعتذار بجهل القانون Nul n’est censé ignorer la loi (أنظر المادة 04 من القانون المدني الجزائري).
إن تطبيق هذا المبدأ تمليه إعتبارات العدالة والمصلحة العامة، فهذا المبدأ يسمح بتحقيق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع، من خلال تطبيق القانون على المجتمع.
الفرع الثاني : نطاق مبدأ عدم جواز الإعتذار بجهل القانون
يسري المبدأ على جميع القواعد القانونية، أيا كان مصدرها، سواءا كانت مستمدة من التشريع أو من العرف أو من الدين، كما أن المبدأ يسري على جميع القواعد القانونية مهما كانت طبيعتها أمرة كانت أو مكملة، وعلى هذا الأساس فإنه لا تجوز الإحتجاج بجهل أية من هذه القواعد للإفلات من الخضوع لأحكامها.
المطلب الثاني : الإستثناءات الواردة على مبدأ عدم جواز الإعتذار بجهل القانون
الفرع الأول : القوة القاهرة
إن إفتراض العلم بالقانون يستند إلى إمكانية العلم به، فإذا إنتفت هذه الإمكانية، لسبب راجع إلى قوة قاهرة والتي هي ظرف إستثنائي، فإن الإفتراض بالعلم ينتفي أيضا، مما يسمح بالتمسك بجهل القاعدة القانونية.
تتحقق القوة القاهرة في حالة عزل جزء من إقليم الدولة عزلا تاما، تحول دون وصول الجريدة الرسمية، كإحتلال العدو لذلك الجزء وقطع كل وسائل الإتصال، أو حدوث كارثة طبيعية كبرى تؤدي إلى العزل الكلى للمنطقة.
إن مجال هذا الإستثناء يخص فقط التشريع، دون العرف أو قواعد الدين، كون هذين الأخيرين يوجدان في ضمير الجماعة، وأن وجودهم يرجع إلى زمن قديم، فنفاذهما لا يتوقف على النشر في الجريدة الرسمية، عكس التشريع الذي يتوقف نفاذه على النشر.
الفرع الثاني : وجود نص يجعل الجهل بالقانون عذرا.
إن بعض التشريعات قد تتضمن أحكاما صريحة تقضي على جواز العذر بجهل القانون، ففي هذه الحالة، فإنه بإمكان الأشخاص التمسك بهذا العذر، وفقا للشروط المنصوص عليها قانونا.
إن من أمثلة التشريعات التي تسمح بهذا العذر، القانون الفرنسي الصادر سنة 1982، الذي تضمن أحكاما تجيز العذر بجهل القانون في القانون الجزائي، والذي قدر إمكانية الإحتجاج بهذا العذر في مدة 83 أيام من صدور ونشر التشريع.
الفرع الثالث : الغلط في القانون
الغلط في القانون هو وهم يقوم في ذهن الشخص فيصور له أمرا على غير حقيقته ويدفعه إلى التعاقد.
تنص المادة 81 من التقنين المدني الجزائري على ما يلى : " تجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط جوهري وقت إبرام العقد أن يطلب إبطاله".
إن القانون تجيز للمتعاقد رفع دعوى لإبطال العقد إذا أبرمه وهو واقع تحت تأثير الغلط، غير أنه يتعين التفرقة بين من وقع بحسن النية في الغلط والذي يمكنه الإحتجاج بعذر جهل القانون، والشخص سيئ النية الذي لا يمكنه الإحتجاج بهذا العذر، ذلك أن الشخص الحسن النية لا يريد إستبعاد تطبيق القانون، بل يريد تطبيق القانون بطريقة صحيحة، عكس الشخص سيء النية الذي يسعى إلى التهرب من الخضوع لأحكام القانون.
مثال ذلك التصرف في التركة بالنصاب غير الموافق للنصاب القانوني.
المبحث الثاني : تطبيق القانون من حيث المكان والزمان
المطلب الأول : تطبيق القانون من حيث المكان
الفرع الأول : الأصل تطبيق مبدأ إقليمية القوانين أصلا
مبدأ إقليمية القانون هو سريان قانون الدولة على كل ما يقع داخل حدود إقليمها من وقائع وتصرفات، وعلى كل الأشخاص الموجودين فيه، من وطنيين وأجانب، بصرف النظر عن جنسيتهم وأديانهم ومهنهم، وذلك لما تتمتع به الدولة من سيادة تجعل منها مستقلة عن غيرها من الدول.
إن قواعد القانون العام تطبق تطبيقا إقليما مطلقا لأنها تتعلق بالنظام العام والمصلحة العامة، حيث أنه لا يتصور إمكانية تطبيق قانون أجنبي على مثل هذه المسائل، ومن أمثلة القوانين ذات الصلة بالنظام العام والمصلحة العامة القوانين التالية : قانون العقوبات، القانون المالي والقانون الإداري.
إن الأساس القانوني لبمبدأ إقليمية القوانين يتمثل في أحكام المادة 04 من القانون المدني الجزائري التي تنص على ما يلي : "تطبق القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية إبتداءا من يوم نشرها في الجريدة الرسمية".
الفرع الثاني : تطبيق مبدأ شخصية القوانين إستثناءا
إن مبدأ شخصية القوانين هو سريان القاعدة القانونية على الأشخاص المنتمين إلى الدولة، سواءا كانوا موجودين على إقليمها، أو كانوا مقيمين في خارج هذا الإقليم، وهو أيضا سريان القاعدة القانونية على المنتمين للدول الأخرى حتي ولو كانوا مقيمين في إقليم الدولة.أي أن القانون الجزائري يطبق على كل الجزائريين ولو وجدوا في خارج الإقليم الجزائري، أو أن القانون الجزائري لا يطبق على الأجانب ولو وجدوا على الأراضي الجزائرية.
يتم تطبيق مبدأ شخصية القوانين إستثناءا في الحالات التالية :
أولا : مجال الحقوق والواجبات العامة
إنه من المتعارف عليه أن الأجانب المقيمين في إقليم الدولة لا تطبق عليهم القوانين المتعلقة بالحقوق والواجبات العامة، كحق الترشح بالإضافة إلى بعض الواجبات العامة التي لا تقع على عاتق الأجانب حتي ولو كانوا مقيمين في التراب الوطني، ومثال ذلك واجب أداء الخدمة الوطنية، أو واجب الدفاع عن الوطن، فمثل هذه الواجبات والحقوق يضطلع بها فقط الوطنيين الأصليين الجزائريين حيث ما وجدوا، ومثل هذا التطبيق يعتبر تطبيق لمبدأ شخصية القوانين.
إن بعض الإلتزامات الدولية تفرض على الدولة منح إمتيازات وحصانات لممثلي الدول الأجنبية كالسفراء والقنصليين الذين يتمتعون بحصانة أثناء تأدية مهامهم، فلا يتصور في هذه الحالة أن يخضعوا للقوانين الوطنية بما في ذلك قانون العقوبات، ففي حالة ما أقدموا على إرتكاب أية جريمة فإن ليس لدى الدولة إلا إعتبارهم أشخاص غير مرغوب بهم وطردهم من التراب الوطني بعد إمهالهم مدة زمانية للقيام بذلك طواعية.
ثانيا : المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية
إن المسائل القانونية ذات العنصر الأجنبي تخضع لأحكام القانون الدولى الخاص، ففي بعض الحالات يضطر القاضي الجزائري إلى تطبيق أحكام قانونية أجنبية على علاقات قانونية تتم على التراب الوطني وذلك وفقا لمقتضات المواد 09 إلى 24 من القانون المدني الجزائري، التي تحدد القانون الواجب التطبيق على المنازعات ذات العنصر الأجنبي أو التي تتعلق بالجزائريين المقيمين بالخارج، فمثلا فيما يتعلق بأهلية الأشخاص، فإن القانون الجزائري هو الواجب التطبيق على كل الأشخاص المتمتعين بالجنسية الجزائرية، سواءا كانوا مقيمين في الجزائر أو خارجها. وهذا ما يتعبر تطبيق لمبدأ شخصية القوانين (المادة 10 من القانون المدني)، والأمر كذلك أيضا بالنسبة للحالة المدنية للأشخاص، فالأجانب يخضعون لقانون جنسيتهم حتي وإن كانوا يقيموا في الجزائر، في حين أن القانون الجزائري يطبق على الجزائريين حتي وإن كانوا مقمون في الخارج.
المطلب الثاني : تطبيق القانون من حيث الزمان
الفرع الأول : مبدأ عدم رجعية القوانين
أولا : التطبيق العام لمبدأ عدم رجعية القوانين
يقصد بمبدأ عدم رجعية القانون الجديد، عدم سريان أحكامه على الماضي سواء بالنسبة للوقائع التي تكون قد حدثت أو المراكز القانونية التي تكون قد تكونت في ظل أحكام القانون السابق. أو بالنسبة للأثار التي ترتبت على تلك الوقائع أو المراكز في ظل هذا الأخير، بمعني أنه لا يجوز أن يرجع إلى المايضي ليحكم ما وقع قبل نفاذه، وإنعدام الأثر الرجعي للقانون الجديد يقصد به أن القانون الجديد لا ينبغي أن يمس ما تكون أو إنقضى من المراكز القانونية في ظل القانون القديم.
يستند عدم الرجعية إلى الحرص من جانب المشرع على تحقيق العدل والإستقرار في المعاملات القانونية. فليس من العدل جعل العلاقات القانونية تخضع لقانون لاحق عنها لم يكن معروفا وقت إنشائها، وليس من العدل كذلك، مطالبة شخص بالخضوع لقانون لم يحط به علما بقواعده مقدما، وهذا ما تؤدي إليه رجعية قانون جديد إذا مد سلطانه إلى وقائع أو مراكز قانونية إستقرت قبل صدوره على أساس القانون القديم الذي لا يعرف ذو الشن سواه والذي تعاملوا أو سلكوا على أساسه، والرجعية تؤدي فضلا عن ذلك إلى الإستقرار الضروري للعلاقات القانونية.
يتم تطبيق مبدأ عدم رجعية القوانين في كل من المجالان الجنائي والمدني، ففي المجال الجنائي فإن طبقا لمبدأ عدم رجعية القانون الجنائي، فإنه لا يجوز تقرير عقوبة لفعل وقع في ظل قانون يسمح به والأمر كذلك أيضا بالنسبة لتشديد العقوبة، أما في المجال المدني فغن تطبيق مبدا عدم رجعية القوانين يقضي عدم المساس بالتصرفات القانونية التي يتم إبرامها في ظل قانو معين. فمثلا العقد الذي لا يشترط الرسمية لصحة إبرامه في القانون القديم يظل صحيحا حتي ولو صدر قانون جديد يتطلب الرسمية.
ثانيا : الإستثناءات الواردة على مبدأ عدم رجعية القوانين
الحالة الأولى : حالة وجود نص صريح على الرجعية
تتعلق هذه الحالة غالبا بمقتضيات النظام العام والمصلحة العامة اللتان تفرضان ضرورة إمتداد أثر القانون الجديد إلى التصرفات والعلاقات القانونية الناشئة قبل صدور القانون الجديد، والتي تم إخضاعها إلى القانون القديم.
الحالة الثانية : حالة رجعية القوانين التفسيرية
يبقي في هذه الحالة مفعول القانون القديم ساريا، وكل ما في الامر أن النص الجديد يتعلق فقط بتفسير وتوضيح غموض يشوب القانون القديم.
الفرع الثاني : مبدأ الأثر المباشر للقانون الجديد
أولا : التطبيق العام للمبدأ
يقصد بالأثر المباشر للقانون الجديد، تطبيق القانون الجديد باثر فوري ومباشر على كل ما يقع بعد دخول هذا القانون حيز التنفيذ، وذلك حتي ولو كان يتعلق بوقائع أو مراكز نشات تحت سلطلن القانون القديم. إن الأثر الفوري والمباشر للقانون يستلزم سريانه على ما ينشا من مراكز قانونية في ظله وعلى الاثار المستقبلية للمراكز القانونية التي وقعن غي ظل قانون قديم ويدركها وهي في طور التكوين أو الإنقضاء، لأن القانون لا يسري على ما ينشا من مراكز قانونية فحسب بل على المراكز القانونية التي هي في طور التكوين أو الإنقضاء.
إن الأمثلة التي يمكن الإشارة إليها في هذا الصدد تطبيق المبدأ في المجال الجنائي، حيث أن صدور قانو جديد ينزع التجريم عن فعل معين يسمح للشخص المدان بمقتضي القانون القديم الإستفادة من أحكام القانون الجديد.
أما في المجال المدني فإنه يمكن التطرق إلى التقادم، فّاذا كانت مدة التقادم في القانون القديم هي 15 سنة وتم بموجب القانون الجديد رفع مدتها إلى 20سنة، فإن بمجرد صدور القانون الجديد فالمدة تصبح 20سنة حتي وإن بدا سريان هذه المدة في ظل القانون القديم الذي كان يعتبر مدة التقادم 15 سنة.
ثانيا : الإستثناء الوارد
هناك إستثناء يرد على مبدأ الاثر الفوري والمباشر للقانون الجديد يتعلق يالمراكز العقدية الجارية، التي تكونت في ظل القانون القديم ولا تزال عند نفاذ القانون الجديد، وذلك لان الروابط التعاقدية يترك أمر تنظيمها لإدارة الاشخاص أخذا بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين ومبدأ سلطان الإرادة، فلا مجال للتمسك بالاثر المباشر أو الفوري للتشريع الجديد فيها، وإنما يسمح هنا بإمداد حياة القانون القديم ليحكم أثارها حتي تنقضي.
تعليقات
إرسال تعليق