نطاق القانون
باعتبار أن القاعدة القانونية قاعدة سلوك تحكم سلوك الأفراد في المجتمع، فلا بد من تحديد صلتها بقواعد السلوك الأخرى، كالأخلاق أو المجاملات أو التقاليد أو الدين، فهل القواعد القانونية مستمدة منها أم أن هناك اختلاف بينها؟
القانون والأخلاق :
إن كل شخص يعلم أنه لا يجب قتل الغير أو الإضرار به، كما يجب ألا يسرق فهذه القواعد قواعد أخلاقية، ويلاحظ أن القانون تضمنها كذلك وعليه ماهي كيفية التفرقة بين القانون والأخلاق؟
يرى البعض أن الأخلاق تقتصر على النوايا والمقاصد بينما القانون يقتصر على المحسوس من الأفعال، إلا أن هذا الرأي مردود عليه لأنه وإن كان القانون لا يأخذ بعين الاعتبار النوايا، فهو مع ذلك يوليها عناية إذ صاحبت الأعمال الخارجية كالغش والتدليس والتعسف في استعمال الحق.
فللقانون صلة بالأخلاق إذ أن كثيرا من القواعد القانونية تقوم على أساس أخلاقي، إذ القانون يمنع الاعتداء على النفس أو العرض أو المال، كما أنه لا يجيز الإثراء بلا سبب كما أنه يبطل العقد إذا كان سببه غير مشروع أو مخالف للنظام العام أو الآداب العامة وما هذه الأخيرة إلا الأخلاق الاجتماعية.
وقد يهتم القانون بمسائل خاصة بمساعدة الآخرين فنظرية الميسرة أساسها منح القاضي المدين أجلا للوفاء حسب الظروف طبقا للمادة 119/2 قانون مدني جزائري، إلا أنه هناك بعض المسائل الأخلاقية التي لا تمت بصلة للقانون كالشفعة والاعتراف بالجميل والإيثار...الخ.
فاختلاف بين القواعد القانونية والأخلاقية يتمثل فيمايلي:
1- من حيث الهدف: فقواعد الأخلاق تهدف إلى الارتقاء بالعقل البشري إلى المثالية وبالإنسان إلى الكمال، بينما يهدف القانون إلى المحافظة على النظام والاستقرار في المجتمع وتحقيق العدالة والسلم الاجتماعي.
2- من حيث الصياغة: تصبح القواعد القانونية، وإن كان أسسها الأخلاق بصياغتها الدقيقة أكثر وضوحا مما يحقق الاستقرار في المجتمع، فمثلا: تقتضي الأخلاق عدم الشراء بثمن أقل من قيمة الشيء، وهذا يؤدي إلى إبطال جميع التصرفات تقريبا ولكن القاعدة، القانونية التي تحدد الغبن الفاحش في بيع العقار بأقل من من ثمن المثل تعتبر قاعدة دقيقة يسهل تطبيقها.
3- من حيث الجزاء: فجزاء مخالفة القاعدة القانونية جزاء مادي، توقعه السلطة العامة على المخالف، في حين أن الجزاء على مخالفة القواعد الأخلاقية جزاء معنوي يتمثل في استنكار الرأي العام وتأنيب الضمير.
مع الملاحظ أن الاختلاف في الغاية والجزاء والصياغة لا يمنع من أن القانون يعتمد أساسا على الأخلاق، وأغلب القواعد القانونية ماهي إلا قواعد أخلاقية، رأى المشرع أهميتها القصوى لإقامة النظام في المجتمع فصاغها في صورة قواعد قانونية.
القانون وقواعد المعاملات والتقاليد :
تقوم في المجتمع قواعد سلوك تواتر الناس على إتباعها فتعتبر من تقاليد هذا المجتمع، ويحرص الناس على إتباعها في علاقاتهم أو في ملبسهم، مثال ذلك: التهنئة والعزاء...الخ وهي قواعد تنشأ في المجتمع دون إرادة واعية بل تعود عليها الناس بصفة تلقائية إلى أن يتم التخلي عنها نهائيا لمخالفتها المنطق والمعايير المعاصرة.
وقد ترقى بعض قواعد المجاملات إلى شبه قواعد قانونية، كقاعدة إعطاء الأولوية للعجزة في وسائل المواصلات.
وتتفق قواعد المجاملات مع القواعد القانونية لكونها تحكم سلوك الأفراد في الجماعة لكن تختلف عن بعضها لكون قواعد المجاملات قواعد غير مستقرة تختلف من منطقة إلى أخرى، وكذلك تختلف عنها من حيث الجزاء، إذ الجزاء على مخالفة قواعد المجاملات والتقليد يتمثل في استنكار الجماعة، بينما الجزاء على مخالفة القاعدة القانونية جزاء مادي تتولاه السلطة العامة.
كما أن هناك اختلاف بينهما من حيث الهدف فإذا كان الهدف من القواعد القانونية هو النظام والاستقرار في المجتمع، فإن قواعد المجاملات والتقليد تحقق غايات عرضية تفرضها التقاليد الموجودة ولا يؤدي عدم إتباعها أو عدم مراعاتها إلى إنقاص أو اضطراب النظام في المجتمع.
القانون وقواعد الدين :
الدين يعالج واجبات الإنسان نحو ربه ونحو نفسه ونحو غيره وتتفق القواعد الدينية مع القواعد القانونية، إذ الدين يحرم القتل والسرقة وإيذاء الغير، وهذه الأمور يحرمها القانون أيضا.
لكن تبقى قواعد الدين التي تتعلق بعلاقة الإنسان بخالقه، والخاصة بالعبادة مسائل لا يتولاها القانون، أما القواعد الدينية الخاصة بالمعاملات، فقد قنن المشرع بعضها كالميراث والولاية على المال...الخ وتعتبر الشريعة الإسلامية مصدرا ماديا لقانون الأسرة، كما يرجع القاضي لمبادئ الشريعة الإسلامية في حالة عدم نص تشريعي، وتعتبر مصدرا قانونيا.
وتختلف قواعد الدين عن قواعد القانون في أن جزاء مخالفة قاعدة دينية هو جزاء أخروي، فالقواعد الدينية لا يوضع لها جزاء دنيوي باعتبارها كذلك ولكن إذا تبناها المشرع وأدخلها ضمن القواعد القانونية وقرر لها جزاء، فالجزاء في هذه الصورة جزاء دنيوي قرره المشرع لمخالفة قاعدة قانونية وليس جزاء مقرر لمخالفة قاعدة دينية.
تعليقات
إرسال تعليق