القائمة الرئيسية

الصفحات

القواعد الآمرة والقواعد المكملة

القواعد الآمرة والقواعد المكملة


القواعد الآمرة والقواعد المكملة


 إن المشرع وهو يخاطب الأشخاص أحيانا نراه حازما صارما فيظهر القاعدة القانونية في شكل قطعي بات ولا يجيز لهم مخالفتها، وأحيانا أخرى نراه يفسح مجالا بصريح العبارة للأشخاص بغرض تحكيم قاعدة أخرى غير القاعدة التي رسمها، من أجل ذلك قسمت القواعد القانونية إلى قواعد آمرة باتة وقواعد مكملة وهو ما سيأتي توضيحية.


أولا : التعريف بالقواعد الآمرة والقواعد المكملة 


تنحصر القواعد القانونية بين نوعين من القواعد، وذلك بسبب أن العلاقة الاجتماعية والسلوكية ليست كلها على درجة واحدة من اتصال بمصلحة المجتمع وتنظيمه فالعلاقات المنشئة للنظام العام ليست مثل العلاقات الخاصة بمصالح الأفراد، مما يدفع بالمشرع إلى سن قواعد صارمة ومطلقة لحماية المصالح العليا والحساسة للمجتمع ولا يسمح بمخالفتها أو الاتفاق على ما يخالفها تدعي بالقواعد الآمرة.


القواعد القانونية الآمرة :


هي تلك القواعد التي لا يجوز الاتفاق على مخالفة حكمها، يستوي في ذلك أن تتضمن أمرا أو نهيا ومثالها:

كمال الأهلية: كل شخص بلغ سن الرشد متمتع بقواه العقلية ولم يحجر عليه يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية طبقا للمادة 40 الفقرة الأولى من القانون المدني الجزائري.

سن التمييز: كل من لم يبلغ ثلاث عشرة سنة يعتبر فاقد للتمييز.

التعامل في التركة المستقبلية: التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة ولو كان برضاه.


القواعد القانونية المكملة :


هي القواعد التي يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفة حكمها، فهي نسبية التطبيق وخطابها إلى الأفراد نسبي وحريتهم في استبعاد تطبيقها موفورة، ويرجع ذلك إلى تعلقها بمصلحة خاصة بحتة ومن أمثلة هذه القواعد في القانون المدني مايلي:

مكان تسليم المبيع: وجب على المشتري تسلم المبيع في المكان الذي يوجد هذا الأخير وقت البيع وأن يتسلمه دون تأخير.

نفقات تسلم البيع: إن نفقات تسلم المبيع تكون على المشتري ما لم يوجد عرف أو اتفاق يقضي بغير ذلك.

التزامات رب العمل: تدفع الأجرة عند تسلم العمل إلا إذا اقتضى العرف أو الاتفاق خلاف ذلك.


في كل هذه الأمثلة تتجلى قيمة القاعدة المكملة وهي الحلول محل إرادة الأطراف إذا لم يتفقوا أو سكتوا عن بيان موقفهم من المسألة، فيتدخل المشرع لتسهيل المعاملات وتوفيرا للجهد لوضع نموذج لما يجب أن يكون عليه الاتفاق.


فالقاعدة القانونية المكملة هي قاعدة قانونية عامة ومجردة منظمة لسلوك الأفراد داخل المجتمع وملزمة وكل ما هنالك أن شرطا من شروط إعمالها هو عدم إتفاق الأطراف على مخالفتها فإذا اتفقوا على تنظيم مخالف، انتفى شرط تطبيق القاعدة المكملة، أما إذا صمتوا فإن تطبيقها يكون مبررا بتوافر شرط عدم الاتفاق على مخالفتها.


ثانيا : معايير التفرقة بين القاعدة الآمرة والقاعدة المكملة


للتمييز بين القواعد الآمرة والمكملة يميز الفقه بين معيارين، أولهما شكلي ينظر إلى لفظ القاعدة والآخر موضوعي أو معنوي يتطلع إلى مضمونها.


المعيار الشكلي أو اللفظي :


قد تدل عبارة النص وصياغته وألفاظه على طبيعة القاعدة القانونية فيقوم هذا المعيار على النظر إلى ألفاظ القاعدة القانونية، فإذا دلت صراحة أو ضمنا على عدم جواز المخالفة كانت آمرة، أما إذا دلت على جواز المخالفة وإمكانية الاتفاق على عكس ما جاء فيها فهي مكملة وأيضا إذا استخدم المشرع عبارات الأمر والنهي أو قرن مخالفة القاعدة بجزاء فهي آمرة وتكون مكملة فيما عدا ذلك، ويتضح هذا المعنى من خلال الأمثلة التالية:


فتعتبر قواعد آ مرة النصوص التالية:


المادة 377 الفقرة الثالثة:«ويكون باطلا كل شرط يسقط الضمان أو ينقصه إذا تعمد البائع إخفاء حق الغير».

كما تقرر المادة 92 الفقرة الثانية من القانون المدني:«غير أن التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة باطل ولو كان برضاه».


فبالنظر أو الاعتماد على الألفاظ التي استخدمها المشرع في صياغة القاعدة القانونية بشكل صريح، يعتبر المعيار الشكلي أو الفظي هو المعيار الحاسم والمنطقي للتمييز بين القاعدة الآمرة والقاعدة المكملة ،  حيث نجد في القاعدة الآمرة الألفاظ أو العبارات التالية:«لا يجوز ...، يقع باطلا... لا يصح... يعاقب،... يتعين... يلزم... وغيرها من الألفاظ التي تفيد الأمر أو النهي».


وقد يشير النص القانوني الآمر صراحة على أنه لا يجوز الاتفاق على مخالفة أحكامه مثل نص المادة 402 من القانون المدني بقولها:«لا يجوز للقضاة ولا للمدافعين القضائيين ولا المحامين ولا الموثيقين ولا لكتاب الضبط، أن يشتروا بأنفسهم مباشرة ولا بواسطة اسم مستعار الحق المتنازع فيه...».


- المادة 107 من القانون المدني:«يجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبحسن نية».

- المادة 389 من القانون المدني:« إذا أقر المالك البيع سرى مفعوله عليه وصار ناجزا في حق المشتري».

أما القواعد المكملة فيمكن استخلاص أنها مكملة من النص نفسه: كنص المشرع في المادة ذاتها على:«جواز مخالفتها أو على ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك».

- المادة 494 من القانون المدني:«يلتزم المستأجر بالقيام بالترميمات الخاصة بالإيجار والجاري بها العمل ما لم يوجد اتفاق على خلاف ذلك».

- المادة 498 فقرة 02 من القانون المدني:« ويكون دفع الأجرة في موطن المستأجر ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بخلاف ذلك».

- المادة 429 من القانون المدني:« كلما وجب أن يؤخذ القرار بأغلبية تعين الأخذ بالأغلبية العددية على حسب الأفراد ما لم يوجد نص يخالف ذلك».

- المادة 404 من القانون المدني:«من باع تركة دون أن يفصل مشتملاتها، ولا يضمن إلا صفته كوارث ما لم يقع اتفاق يخالف ذلك».

- يجوز أن تكون أجرة الإيجار إما نقودا، وإما تقديم أي عمل آخر.

- يلتزم المستأجر بالقيام بالترميمات الخاصة بالإيجار والجاري بها العمل ما لم يوجد اتفاق على خلاف ذك.

والملاحظ أن هناك مواد لم يستعمل فيها المشرع عبارات واضحة سواء آمرة أو مكملة فلا يمكن تحديد طبيعة هذه القواعد القانونية إلا عن طريق دراسة أو تحليل مضمونها أي اللجوء إلى المعيار الثاني.


المعيار الموضوعي "النظام العام والآداب العامة"


إذا لم يتضح صراحة من القاعدة صفتها هل هي آمرة أو مكملة فنرجع إلى مضمون النص وإلى مدى تعلق الأمر بالمصالح الأساسية والمقومات الأساسية للمجتمع أي هل يتعلق الأمر بالنظام العام والآداب العامة، فإذا كانت للقاعدة علاقة بهذه الصفة كانت آمرة وإلا فهي مكملة لتعلقها بالمصالح الخاصة للأفراد.


فالقواعد المتعلقة بالنظام العام أو الآداب العامة تعتبر تقييدا لمبدأ سلطان الإرادة بحيث أنها تقيد حرية الأشخاص في التعاقد إذ تنص المادة 96 من القانون المدني الجزائري على أنه:«إذا كان محل الالتزام مخالفا للنظام العام والآداب العامة كان العقد باطلا».


ويلاحظ أن القواعد المتعلقة بالنظام العام أو الآداب العامة كلها آمرة أي لا يجوز للأفراد استبعادها جكمها، ولكن القواعد الآمرة ليست كلها من النظام العام، بل قد يرى المشرع وجوب جعل القاعدة آمرة لاعتبارات تتعلق بحماية أوضاع معينة فيصوغها بشكل يتضح منه عدم جواز مخالفتها مثلا:


القواعد المتعلقة بنقص الأهلية مثلا تعتبر قواعد آمرة لا يجوز للأفراد مخالفتها ولكن ليست متعلقة بالنظام العام، فالحكم على مخالفتها هو القابلية للإبطال وليس البطلان المطلق.


أولا- النظام العام


يقصد به القواعد المنظمة للمصالح الأساسية في المجتمع والتي لا يجوز للأفراد مخالفتها في اتفاقاتهم ولو حققت هذه الاتفاقات مصالح خاصة لهم، يستوي في ذلك أن تكون هذه المصالح سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو بعبارة أخرى هي القواعد التي ترمي إلى تحقيق المصلحة العامة للدولة سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية والتي تتعلق بالوضع الطبيعي- المادي والمعنوي - لمجتمع منظم وتعلو فيه على مصالح الأفراد.


لهذا تعتبر قواعد القانون الجنائي من النظام العام، لأنها خاصة بتحقيق الأمن في المجتمع، كما أن قواعد القانون الدستوري المتعلقة بتنظيم الدولة وتكوينها ونظام الحكم فيها وبالحريات العامة، تعتبر من النظام، فلا يجوز لإحدى السلطات أن تتنازل عن اختصاصاتها لسلطة أخرى، كما لا يجوز للأفراد التنازل عن حرياتهم وحقوقهم العامة، وبالنسبة لقواعد القانون الإداري تعتبر أيضا من النظام العام وكذلك الأمر بالنسبة للقواعد المتعلقة بالنظام الدولي.


أما قواعد القانون الخاص، فمعظمها قواعد مكملة، لأن أغلبها خاص بالمعاملات بين الأفراد فيترك لهم القانون الحرية في الاتفاق عليها، ولكن قد ينظم المشرع مسائل معينة بقواعد آمرة، كما أن القواعد المتعلقة بالأحوال الشخصية وبالحالة المدنية للأشخاص تعتبر من النظام العام لأنها تخص النظام الاجتماعي.


ثانيا- الآداب العامة


هي مجموع الأسس الأخلاقية الضرورية لحفظ كيان المجتمع والمحافظة على توازنه وعدم انحلاله. ولا بد من التفرقة بين الآداب العامة والأخلاق، فليست القواعد المتعلقة بالأخلاق هي كلها قواعد متعلقة بالآداب العامة، بل يقصد بالآداب العامة الحد الأدنى من قواعد الأخلاق الذي تعتبره الجماعة لازما للمحافظة على عدم الانحلال. فيفرض على الجميع احترامه وعدم المساس به أو الانتقاص منه.

مثال على ذلك: المجتمعات الإسلامية لا تجيز التعايش بين الرجل والمرأة في غير لإطاره الشرعي أي الزواج، بينما في المجتمعات الغربية فإن علاقة الخليلين مشروعة وترتب آثار قانونية.


والخلاصة أن فكرة النظام العام والآداب العامة هي من الأفكار المرنة غير المحددة، لذلك يتمتع القاضي بالسلطة التقديرية في تحديد نطاقها ولكنه مقيد بالاعتقاد العام المسيطر على أفراد المجتمع، فليس له تحديد النظام العام وفقا لاعتقاده الشخصي أو اعتقاد شخص آخر.


والجدير بالقول أنه بالرغم من أهمية المعيار الموضوعي ودقته لحد ما، فهذا لا يمنع من التأكيد على عدم صلاحية فكرة النظام العام والآداب العامة – كقاعدة عامة – لتكون ضابطا أو معيارا ثابتا. حيث أن القاعدة القانونية قد تكون آمرة وغير متعلقة بالنظام العام.

تعليقات